الإثنين, ديسمبر 9, 2024
الرئيسيةاقتصاد سياسيبحوث وأوراقالقطاع الزراعي هو الرافعة الحقيقية للاقتصاد السوداني...عبد المنعم الحويرص
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شيوعاً

آخر التعليقات

القطاع الزراعي هو الرافعة الحقيقية للاقتصاد السوداني…عبد المنعم الحويرص

 

 القطاع الزراعي هو الرافعة الحقيقية للاقتصاد السوداني

 عبد المنعم الحويرص مستشار التنمية الزراعية الشاملة والتحول الزراعي، وزارة الزراعة والغابات (يناير – أكتوبر

2021)                  elhoweris@gmail.com

 المقدمة:

انعقد خلال شهر مارس 2024 حوار هام بدعوة من الإتحاد العام للمهندسين السودانيين بعنوان: ملامح مُقترح الخطة الإستراتيجية لوزارة الزراعة – تأسيس لمشروع وطني قومي للزراعة، ناقش فيهما المشاركون وباستفاضة الدور المرجو للقطاع الزراعي في مستقبل السودان وكيفية تحقيق النهضة الاقتصادية المأمولة بقيادة هذا القطاع، تقديم دكتور محمد أحمد عمر وتعقيب دكتور بشير عمر، دكتور عبد الله حسن أحمد ودكتور جلال مصطفى، أدار  الحوار المهندس صلاح بشير، النقاشات والمداولات طرقت كل ما هو ضروري للنهوض بالقطاع الزراعي وبالضرورة باقتصاد السودان. جاءت نقاشات وأحاديث ومداخلات الكل مملوءة بالتفاؤل بأن هذه الحرب فعل مؤقت وإلى زول، ليبقى الوطن الذي نحب، واتفق الجميع بان السودان موعود بنهضة كُبرى يقودها القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، تكون فيه الموارد الأخرى داعما ومساندا لتلك النهضة المرجوة، إذا تمكن سياسيو وعلماء وخبراء ومواطنو السودان من اقتناص السانحة التي ستأتي حتما بعد انتهاء الحرب!

وفي يوليو 2024 قامت المنظمة العربية للتنمية الزراعية بنشر الوثيقة الاستراتيجية والعملية لإعادة إعمار قطاع الزراعة والثروة الحيوانية بالسودان بعد الحرب، “حيث أدارت المنظمة لقاءات تشاورية مع منسوبي قطاع الزراعة والثروة الحيوانية السوداني بشقيه العام والخاص إضافة للمجتمع المدني المتواجد بالقاهرة، وذلك باستقصاء آرائهم أولا ثم وضع الإفادات المختلقة في مسودة عرضت في ورشة عمل عقدت بالنادي الزراعي بالقاهرة”. غطت الوثيقة العديد من الجوانب منها أثر الحرب على قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، أهمية ريادة قطاع الزراعة والثروة الحيوانية في عمليات إعادة إعمار السودان، الرؤية المستقبلية لإعادة الإعمار، ثم التدخلات المطلوبة لتحقيق إعادة إعمار قطاع الزراعة والثروة الحيوانية.

وثيقة المنظمة العربية للتنمية الزراعية تحدثت عن العديد من التدخلات المطلوبة لإعادة إعمار قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والتي تحدثت عنها في بحثي أدناه، لكنها مشكورة لفتت انتباهي لتدخلات تم ذكرها ضمنا في متونه! سأقوم بإيرادها الآن حصريا لأهميتها وضرورة إدماجها في كل الإستراتيجيات والخطط المُزمع وضعها لتحقيق النهضة المأمولة للقطاع الزراعي:

  • التغيرات المناخية والمرونة (Environment Variabilities and Resilience)

التغيرات المناخية تشير إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، في أوان سابق كانت هذه التحولات طبيعية وذات أضرار يمكن التكيف والتعايش معها، كالتغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة. لكن ومنذ القرن التاسع عشر صارت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ واضطراد الأضرار البيئية، يعود ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري والذي هو المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري. حيث تُعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدامات الأراضي من بين القطاعات الرئيسية المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كذلك تساهم الأنشطة الزراعية كاستخدام الأسمدة وطرق الري المُتَّبعة وغيرها إلى زيادة تركيز غاز الميثان في الغلاف الجوي، في المقابل يؤدي تطهير الأراضي والقطع الجائر للأشجار وإزالة الغابات إلى زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والعديد من الغازات الضارة، مثل أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين بشكل عام. أيضا تلعب تربية الحيوانات دوراً مهماً في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تساهم الحيوانات المجترة والحيوانات العاشبة الأخرى في زيادة انبعاث غاز الميثان، فهي مسؤولة عن 18% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وأخيرا تأتي الزيادة في عدد سكان العالم من عام إلى آخر في زيادة الطلب على الطعام، والمأوى والملبس والتنقل، والعديد من المنتجات الصناعية، وهذا بدوره يزيد من عدد المصانع والعمليات الصناعية المرافقة لها، مما يساهم في ارتفاع نسبة انبعاثات الغازات الضارة في الغلاف الجوي.

المرونة المناخية والتكيف (Climate Resilience and Adaptation) تعني قدرة الأنظمة الاجتماعية والبيئية على التكيّف مع التغيرات البيئية وإمتصاص الصدمات المصاحبة لها، تشمل المرونة المناخية أيضًا القدرة على إعادة التنظيم والتحول إلى أشكال أكثر استدامة، مما يعزز الاستعداد لمجابهة التأثيرات المستقبلية للتغيرات المناخية. حيث إنه بالإمكان اتخاذ عدة خطوات على المستويات الفردية والجماعية والحكومية لتقليل انبعاثات غاز الكربون والغازات الأخرى، باستخدام وسائل النقل العام واستخدام السيارات الكهربائية، أو ركوب الدراجات بدلاً من السيارات، التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والأمواج، تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المنازل والمباني، والحفاظ على الموارد الطبيعية كالغابات والمراعي وزراعة الأشجار، تقليل استهلاك المياه، إعادة التدوير وتقليل النفايات. ثم دعم السياسات الحكومية التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، والمشاركة في الحملات البيئية وتعليم الأجيال القادمة كيفية الحفاظ على البيئة من خلال التوعية والتعليم بنشر الوعي حول أهمية التغيرات المناخية وتأثيراتها.

الحفاظ على الغابات يلعب دورًا حيويًا في تقليل تأثير التغيرات المناخية لعدة أسباب أهمها امتصاص ثاني أكسيد الكربون، الأشجار والنباتات تمتص ثاني أكسيد الكربون من الجو خلال عملية التمثيل الضوئي (Photosynthesis)، مما يقلل من كمية الغازات الدافئة في الغلاف الجوي، الغابات تنتج كميات كبيرة من الأكسجين، وهو ضروري لحياة الكائنات الحية، الغابات تساعد في تنظيم درجات الحرارة المحلية ومستويات الرطوبة (Micro-Environment)، مما يخلق بيئات أكثر استقرارًا، جذور الأشجار تساعد في تثبيت التربة ومنع التآكل، مما يحافظ على خصوبة الأرض ويمنع الفيضانات. والغابات هي موطن لمجموعة واسعة من الكائنات الحية، مما يعزز التنوع البيولوجي الذي يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على النظم البيئية، وأخيرا الغابات توفر موارد طبيعية مثل الخشب والفواكه والأعشاب الطبية، مما يقلل من الحاجة إلى استغلال الموارد الأخرى التي قد تكون أكثر ضررًا للبيئة.

تطبيق وإعِمال التنبؤات المناخية وتحقيق المرونة تساعد في تقليل الآثار السالبة للتغيرات المناخية (Environment Variabilities) وتلعب دورًا حيويًا في تقليل مخاطر تقلبات المناخ إذا تم التعامل معها بالجدية والإهتمام المطلوبان في السودان من خلال عدة طرق:

–          إذا تمكن المزارعون من استخدام التنبؤات المناخية لتخطيط أنشطتهم الزراعية والحيوانية بشكل أفضل، مما يساعد في الحفاظ على المحاصيل وتقليل الخسائر الزراعية والحيوانية

–          تساهم التنبؤات المناخية في زيادة وعي الأفراد والمجتمعات حول التغيرات المناخية وكيفية التعامل معها، مما يعزز من قدرة المجتمعات على التكيف مع هذه التغيرات

–          وتساعد التنبؤات المناخية في تطوير محاصيل مقاومة للجفاف أو تحسين تقنيات الري، مما يساعد في ضمان توفر الغذاء للسكان وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي

–          ومن خلال تقوية هيئة الإرصاد الجوية السودانية وخلق علاقات وثيقة لها مع المنظمات العالمية والإقليمية المهتمة بالتنبؤ بالتغيرات المناخية، كالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (World Meteorological Organization [WMO])، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change [IPCC]) ومركز التنبؤ بالمناخ وتطبيقاته التابع للهيئة الحكومية المعنية بالتنمية للقرن الأفريقي (الإيقاد) والذي يغطي ثلاثة عشر دولة من دول شرق افريقيا (IGAD Climate Prediction and Applications Centre [IPAC])

–          تساعد التنبؤات المناخية في تصميم المدن والبنية التحتية لتكون أكثر مقاومة للتغيرات المناخية، مما يقلل من تأثير الكوارث الطبيعية على المناطق الحضرية

–          التكيف والمرونة تساعد في تقليل الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، والجفاف، والعواصف من خلال تحسين البنية التحتية وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، وبتحسين نظم التنبؤات المناخية لتساعد الحكومات والمجتمعات بالاستعداد للأحداث المناخية القاسية مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف، مما يقلل من الأضرار والخسائر البشرية والمادية، مما يمكن من إنقاذ العديد من الأرواح وتقليل الخسائر المادية.

–          وفي حماية النظم البيئية والكائنات الحية التي تعتمد عليها، من خلال إنشاء محميات طبيعية وتطوير استراتيجيات للحفاظ على الأنواع المهددة، يمكن الحفاظ على التنوع البيولوجي.

–          وأن يقلل من التكاليف الاقتصادية المرتبطة بالكوارث الطبيعية ويعزز الاستدامة الاقتصادية من خلال تطوير صناعات جديدة وتقنيات خضراء.

–          وإلى تحسين جودة الحياة من خلال تقليل التلوث، وتحسين الصحة العامة، وتوفير بيئات معيشية أكثر أمانًا واستدامة.

سلسلة القيمة الزراعية والتصنيع الزراعي (Agricultural Value Chain and Agro-Processing)

سلسلة القيمة هي إضافة قيمة للمنتجات الزراعية والحيوانية من خلال اعتماد ممارسات أفضل لما بعد الحصاد، والتخزين، واللوجستيات، والتصنيع والتعبئة والتوزيع وأنشطة الخدمات الغذائية، حيث أنها تُعتبر محركاً مهماً لاقتصاد السودان لفترة ما بعد الحرب. سلسلة القيمة الزراعية والحيوانية يمكن تعريفها على أنها مجموعة متكاملة من النشاطات والتي تُعنى بانتقال وتدرج السلع والخدمات لمنتج زراعي أو حيواني عبر سلسلة من الإضافات للمنتج بين باب المزرعة والمستهلك النهائي، ذلك النشاط يقوم به مجموع الأفراد على طول سلسة القيمة.

تتضمن هذه السلسلة عدة خطوات رئيسية للمنتج الحيواني والزراعي.

  • الإنتاج يبدأ الأمر بتربية الحيوانات وتوفير الرعاية الصحية والتغذية المناسبة له، وزراعة المحاصيل الزراعية وتوفير الرعاية اللازمة لها؛
  • الحصاد يشمل ذلك ذبح الحيوانات وتجهيز اللحوم أو المنتجات الحيوانية الأخرى، حصاد وجمع المحاصيل الزراعية في الوقت المناسب لضمان جودتها؛
  • التصنيع حيث يتم تحويل المنتجات الحيوانية والزراعية إلى أشكال قابلة للاستهلاك مثل اللحوم المعلبة أو منتجات الألبان، والعصائر والمعلبات؛
  • التعبئة والتغليف بتجهيز المنتجات الحيوانية والزراعية للتوزيع من خلال تعبئتها وتغليفها بشكل مناسب؛
  • التوزيع بنقل المنتجات الحيوانية والزراعية إلى الأسواق أو نقاط البيع؛
  • وأخيرا التسويق والبيع بعرض المنتجات الحيوانية والزراعية للبيع للمستهلكين النهائيين، وللتصدير أيضا.

 

الهدف الأساسي من سلسلة القيمة هو زيادة العائد للمنتج وتحقيق عوائد مجزية لكل المشاركين في أنشطة سلسلة القيمة، وبالضرورة تحفيز المنتجين على زيادة الإنتاج من خلال استخدام الأصناف ذات العائد الأعلى والتي يزداد الطلب عليها، واستخدام التقانة ونتائج البحوث وتعميمها في مكافحة آفات وأمراض الحيوان والنباتات، وتحسين وسائل الري والاستخدام المُرشد للموارد، وتقليل فاقد ما بعد الحصاد والهدر (Post-Harvest Loss and Waste) للمنتجات الزراعية والحيوانية خاصة تلك السريعة التلف. يتم ذلك من خلال تقوية شبكة التوزيع وتوفير معلومات السوق للمنتجات الزراعية، وزيادة أعداد العاملين بتوفير فرص عمل عديدة للشباب والنساء في سلسلة القيمة الزراعية، ويحقق ذلك تلقائيا مطلوبات الأمن الغذائي لأنها تضمن جودة وسلامة المنتجات وتحسين مداخيل وأرباح المنتجين والعاملين على طول سلسلة القيمة، وبرفد الاقتصاد القومي بالعملات الأجنبية.

كان ذلك أحد الأهداف الرئيسية لحكومة ثورة ديسمبر المجيدة بإضافة قيمة أو أكثر لكل منتجاتنا الزراعية والحيوانية ذات الطلب المحلي والعالمي، ثم الولوج بقوة إلى التصنيع الزراعي (Agro-Processing) لكل المنتجات الزراعية والحيوانية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب.

 

  • الميزة النسبية للمنتجات الزراعية والحيوانية (Comparative Advantage of Agricultural & Animals Products)

الميزة النسبية للمنتجات الزراعية تشير إلى قدرة إقليم معين أو منطقة جغرافية داخل الدولة أو دولة معينة على إنتاج سلع زراعية بتكلفة أقل أو بجودة أعلى مقارنة بالأقاليم والدول الأخرى. هذا المفهوم يساعد في تحديد السلع التي يمكن أن تكون تنافسية في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية. تختلف الدول التي تتمتع بميزة نسبية في إنتاج المحاصيل الزراعية بناءً على نوع المحصول والظروف البيئية والاقتصادية لكل دولة على سبيل المثال، في العراق أظهرت الدراسات أن هنالك ميزة نسبية في إنتاج التمور، مما يجعلها قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، بينما تتمتع مصر بميزة نسبية في إنتاج القطن، حيث يُعتبر القطن المصري من أجود أنواع القطن في العالم بسبب طول أليافه وجودته العالية، وفي إنتاج القمح تعتبر الولايات المتحدة وكندا وروسيا وأوكرانيا من الدول التي لديها ميزة نسبية في إنتاج القمح بسبب الأراضي الزراعية الواسعة والتكنولوجيا المتقدمة في الزراعة، وتتمتع الهند والصين بميزة نسبية في إنتاج الأرز بسبب المناخ المناسب والتقاليد الزراعية الطويلة المُكتسبة في زراعة هذا المحصول.

السودان وبتنوع جغرافية أراضيه ومناطق الإنتاج الزراعي والحيواني، يحتم ذلك على الزراعيين والبياطرة والمنتجين أن يقوموا بتطبيق مفهوم الميزة النسبية للمنتجات الزراعية والحيوانية لتتوافق مع المناخ والتربة، نستطيع القول بأن هنالك مناطق جغرافية تصلح لإنتاج محصول ذو إنتاجية عالية ومنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، فالإقليم الشمالي بولايتيه ذو ميزة نسبية في إنتاج القمح والمحاصيل البستانية كالموالح والتمر، إضافة إلى البقوليات والتوابل، وتتمتع المشاريع المروية (الجزيرة، الرهد، حلفا الجديدة والسوكي) بميزة نسبية في إنتاج القطن والفول السوداني، بينما يتمتع إقليمي دارفور وكردفان بتربية الضأن والماشية والجمال، وتتمتع مناطق الزراعة الآلية في هبيلا، الدالي والقرابين، وأقدي والقضارف وسمسم، بإنتاج الحبوب (الذرة، السمسم، عباد الشمس)، ومناطق أخري كولايات سنار، النيل الأزرق وكسلا في إنتاج الموز والمانجو والجوافة، إضافة إلى حزام الصمغ العربي الممتد من دارفور وإلى سهل البطانة…. إلخ. وربما بتطبيق فكرة الأقاليم والمدن المنتجة لكل من دكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء حكومة الثورة ودكتور إبراهيم البدوي وزير مالية حكومة الثورة (The Notion of Producing Regions and Cities).

لكل ما تقدم أرى بأن يتداول الخبراء والمختصون حول الفورة الكبرى في زراعة البرسيم!  حيث يشهد إنتاج البرسيم في السودان نموًا مستمرًا، حيث أنه يتمتع بميزة نسبية بسبب موقع السودان الجغرافي ومواءمة المناخ وتوفر الموارد المائية ما يدعو لزيادة المساحات المزروعة منه، لكن زراعة البرسيم تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه مقارنة ببعض المحاصيل الأخرى، البرسيم نبات ذو جذور عميقة، مما يجعله قادرًا على البقاء لفترات طويلة بين دورات الري، لكنه يحتاج إلى مستويات معينة من رطوبة التربة لتحقيق إنتاجية عالية، البرسيم يستهلك كميات كبيرة من المياه، تصل إلى أربعة أضعاف استهلاك الأرز من مياه الري. وهذا بالضرورة يقودنا للسؤال عن الجدوى الاجتماعية والاقتصادية لزراعة البرسيم في ولايات نهر النيل، الخرطوم والشمالية، حيث يتم ريه من آبار تأتي مياهها من مخزون المياه الجوفية، في حين إن السودان لم يستهلك حصته من مياه نهر النيل وفقآ لاتفاقية العام (1959)، وان مخزون المياه هذا هو للأجيال القادمة في عالم مقبل بالضرورة على نزاعات وربما حروب المياه.

 

المعوقات (Obstacles):

رأيت في محاولة من جانبي أن أقوم بالكتابة وإلقاء الضوء على المعوقات (Obstacles) التي منعت القطاع الزراعي وأقعدته عن الوصول لتحقيق الآمال المعقودة عليه! وكذلك بإيضاح الشروط الضرورية لتحقيق النهضة الزراعية الشاملة والتحول المأمولين. لربما تكون هذه المساهمة (Blueprint) يمكن البناء عليها، ولربما يمهد ذلك الطريق لتأسيس مفهوم شامل يتداول حوله الباحثون والخبراء والمتخصصون الرأي، مما ييسر الخطوات المطلوبة للتعامل مع هذه المعوقات، والتي بالقطع تمهد الطريق لوضع الأسس الضرورية نحو تحقيق الخطة الإستراتيجية المرجوة للقطاع الزراعي!

عدم تحقيق الشروط الضرورية للنهضة والتحول الزراعي (Necessary Conditions for Achieving Agricultural Renaissance and Transformation)، كانت في السابق وما زالت من أكبر المعوقات المانعة من تحقيق تلك النهضة وذلك التحول. اقوم بعرضها هنا كنقاط مع بعض الإضاءات حولها “لا أدعي إحاطتي بكل الجوانب”، وأرى بأنه من الضروري التداول والعصف الذهني حولها (Brainstorming)، ومن ثم الاتفاق على كيفية تحقيق متطلباتها وهي:

  • المؤسسات والحوكمة (Institutions and Governance)
  • حيازة الأرض (Land Tenure)
  • تقييم الأثر البيئي وإدارة المخاطر (Environmental Impact Assessment [EIA] and Risk Management [RM])
  • المياه الجوفية واستخدامها (Aquifers & Usage)
  • التنمية الريفية المتكاملة (Integrated Rural Development [IRD])
  • التنمية الزراعية الشاملة والتحول (Comprehensive Agricultural Development and Transformation)
  • التمويل والشراكات (Finance & Partnership)

المؤسسات والحوكمة :(Institutions and Governance)

المؤسسة هي بنية اجتماعية تحكمها القوانين والقواعد والأعراف الاجتماعية، يتعاون فيه الناس لما فيه من خير للمجتمع، ويتمثل ذلك في وجود هيكل من القوانين، القواعد والأعراف التي ابتكرها الإنسان والتي تشكل وتضبط السلوك الاجتماعي وتقيده، مما يؤثر إيجابا على سلوك الناس وطريقة حياتهم. المؤسسة لديها قوانين ونُظم تمكنها من فرض قواعد السلوك البشري القويم. ويتم إنشاء أي مؤسسة لغرض معين وذو جدوى مما يعني بأنها لا تنتهي برحيل شخص واحد او أكثر، حيث تستلزم جميع تعريفات المؤسسات وجود مستوى من الثبات والاستمرارية.

الحوكمة بمفهومها السياسي تعني إنشاء المؤسسات الضرورية لتطبيق وتحقيق مطلوبات الديمقراطية، يتمثل ذلك في التأكيد على حق المواطن في اختيار من يمثله، يتحقق ذلك من خلال تطبيق الحوكمة في نظام ديمقراطي حقيقي، يمارس فيه ممثلو الشعب المساءلة والمحاسبة لحكومة ذلك اليوم وبالضوابط والتوازنات المعلومة في الأنظمة الديمقراطية (Checks & Balances يسبق ذلك وجود منظمات مجتمع مدني ديمقراطية المنشأ والتكوين، أهمها الأحزاب، النقابات وقوى الضغط الشعبي وغيرها من المنظمات المجتمعية، ويتحقق ذلك في ظل وجود ممارسة ديمقراطية تتمتع بالنزاهة والشفافية، لمؤسسات تأتي بالطرق الديمقراطية (الانتخابات) كالجهاز التشريعي والتنفيذي والقضاء، يتم فيه الفصل الكامل بين السلطات التشريعية، التنفيذية، والقضائية، وفي ظل وجود إعلام مستقل. بحيث لا تتغول أي من السلطات على الأخرى، ويكون فيه أصحاب المصلحة (المواطنون) هم من يراقب أداء الحكومات، نجاحاتها وإخفاقاتها ومن يطبق مبدأ المُحاسبة. وتعتبر المساءلة المجتمعية أحد ضرورات تطبيق الحوكمة كمنھجیة فعالة تساهم بشكل كبیر في تحسن مستويات الحكم الرشيد وفي تحسن معدلات النمو للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي سعیھا لمحاربة الفقر وتعزيز التنمية المستدامة. حيث تؤدي جھود تطبيق مبادرات المساءلة المجتمعية إلى تطور في جوانب متعددة مثل الشفافية وحریة تداول المعلومات، محاربة الفساد الإداري والمالي، تحسن أداء آليات تقديم الخدمات، سیادة القانون، مكافحة الفقر، وغير ذلك من مطلوبات التنمية المستدامة.

مفهوم الحوكمة يعني تدعيم مراقبة نشاط أداء الدولة أو المؤسسة ومتابعة وتقييم أداء القائمين عليهما من خلال وضع وتحقيق الخطط والبرامج قصيرة وطويلة الأجل، وهي معنية في المقام الأول بتمتين عمليات اتخاذ القرارات وتنفيذها داخل المجتمع أو المؤسسة، ويشمل ذلك صنع القرار، ووضع القواعد، وآليات التنفيذ لتوجيه عمل المجتمع أو المؤسسة. يأتي ذلك بعد أن زاد الوعي بأهمية الحوكمة في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي، حيث تزايدت التدابير التنظيمية والرقابية على الأنشطة المالية والإدارية، كلُ ذلك متزامنا مع ما يشهده العالم من تحول نحو المزيد من المسؤولية الاجتماعية المُحقِقة للأهداف التنموية العالمية والإقليمية[1]  بعد الأزمة المالية في العام 2008.

حوكمة المؤسسات تشمل النظم الذي يتم من خلالها التحكم في إدارة المؤسسة وتشغيلها، يتم ذلك بوضع الخطط وتنفيذ السياسات وإدارة الموارد واتخاذ القرارات لتحقيق أهداف محددة، وأيضا من خلال تقوية دور أصحاب المصلحة بوضع الآليات التي يتم من خلالها منحهم الحق في المساءلة للمؤسسة والقائمين عليها. وتعني بشكل عام وجود نُظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية الفاعلة في العملية الإنتاجية والاقتصادية (الوزارات والمؤسسات، الشركات، البنوك، أصحاب المصلحة والجهات الفاعلة) بهدف تحقيق الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد، والتأكد من أن الوزارات أو المؤسسات أو الشركات تعمل على تحقيق استراتيجياتها وأهدافها قصيرة وطويلة الأمد، وبالضرورة التنبؤ بالمخاطر، وكيفية إدارتها. نعني هنا التنسيق بين الوزارات والهيئات والشركات والبنوك لتحقيق البرامج الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن النشاط الإقتصادي الزراعي المأمول ذو طبيعة متداخلة بين الوزارات (المؤسسات) المعنية، وكذلك المشاركة في وضع الخطط والبرامج ومتابعة الأداء. ويمكننا تعريفها على أنها المعايير والأنظمة والقوانين التي يتم من خلالها توجيه وضبط ورقابة المؤسسات والوزارات والشركات.

للحوكمة شروط يجب توفرها:

  • الشفافية/

الشفافية هي عملية الجودة التي يمكن رؤيتها بسهولة والتي تجعل من السهل على الآخرين رؤية الإجراءات التي يتم تنفيذها، وذلك من خلال عرض وتشجّيع رصد أدق لتقارير الأداء والبيانات، والتي بالضرورة تُلقي الضوء على كيفية الأداء في تنفيذ السياسات والبرامج، وما تم اتخاذه من إجراءات لتحقيق مطلوبات تلك السياسات والبرامج. الشفافية تعني الانفتاح والصدق والتواصل والمساءلة، وتعمل على زيادة الوعي بطبيعته المؤسسية، في حين أنها تساعد على تحسين الأداء وجعل المؤسسة أقل عُرضة للأزمات، وتعمل على تقليل الفساد وسوء الإدارة. كذلك يقوم منهج الشفافية في الإفصاح عن المعلومات في الوقت الملائم، ولإستخدام الموارد بفاعلية أكبر.

  • المشاركة/

یتضمن ھذا المستوى المشاركة في توفر آليات تشجع وتمكن المواطنون وأصحاب المصلحة من المشاركة الفعالة في التخطط لأولوياتهم التنموية وتحدیدھا بما یلبي احتياجاتهم الآنية، المتوسطة والطويلة الأجل. وتعتبر الحكومة لاعب رئيسي لإنجاح ھذا المستوى من المشاركة، لذا فإن التوجهات الجادة من المؤسسات الحكومية تُسھم في إنجاح ھذا المستوى من المشاركة بشكل كبیر.

  • التقييم والمتابعة/

التقييم هو إجراء عملية تقدير منهجية، غير متحيزة لنشاط، أو مشروع، أو برنامج، أو إستراتيجية، أو سياسة، أو موضوع، أو قطاع، أو مجال تنفيذي، أو أداء مؤسسي، أو إلى ذلك، لقياس ملائمة المشروع للتعامل مع المشكلة، ولقياس ملائمة كفاءة الموارد، فعالية المشروع، وحجم الأثر الذي سيتركه المشروع ومدى استدامة نتائج المشروع.

المتابعة هي الجمع المنهجي للبيانات المتعلقة بمؤشرات محددة للمساعدة على معرفة ما إذا كان النشاط على المسار الصحيح نحو تحقيق النتائج المرجوة، وللقياس الموضوعي لأهمية وفعالية أو كفاءة البرنامج، وهي عملية ممنهجة مستمرة تجري في جميع مراحل المشروع. وتحتاج إلى التنسيق بين جميع القطاعات وهي وثيقة الصلة بالمؤسسة ككل، وبالضرورة أن تشمل جميع العاملين في البرنامج بما في ذلك رصد وتقييم الأداء الموظفين والعاملين في المؤسسة.

وباستخدامهما معا (التقييم والمتابعة) يمكن معرفة النتائج ورصد الدروس المُستفادة والمُتحققة من الجهود المبذولة. ولتحقيق ذلك يتم وضع مؤشرات (Indicators) وأدوات التقييم والمتابعة.

  • المساءلة/

تسھم المساءلة المجتمعية في تعزيز مستويات الحكم الرشيد، تعزيز التنمية ومستويات الرفاه من خلال تطوير جودة الخدمات العامة وسبل تقدمها.

 هنالك أربعة ركائز رئيسية لضمان مساءلة مجتمعية فعالة وھي:

– منظمات مجتمعية فعالة ومؤهلة،
– مؤسسات عامة مستجيبة،
– سهولة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بأداء القطاع العام والخاص،
– ومراعاة السیاق المجتمعي وعادات وثقافة المجتمع
.

بعبارة أخرى، نستطع القول بأن المساءلة المجتمعية ھي عبارة عن منھج ووسائل وجماعات مرتبطة بشكل مباشر أو غیر مباشر، تعتمد على مشاركة المجتمع أفرادا ومن القطاعين العام والخاص والمجتمعي، ومساعدتها في تعزيز مساءلة كلا على القیام بدوره على أكمل وجه.

 

المؤسسات المعنية بالقطاع الزراعي تشمل البحوث الزراعية والحيوانية، الإرشاد الزراعي والحيواني، وقاية النباتات، الموارد الطبيعية والغابات، البساتين، المراعي والعلف، الحجر الزراعي والحيواني، صحة الحيوان، إكثار البذور وغيرها من الإدارات الملحقة بالقطاع الزراعي بشقيه الحيواني والزراعي. إضافة للمؤسسات الزراعية كالجزيرة، الرهد، حلفا الجديدة، السوكي ومشاريع النيلين الأزرق والأبيض والشمالية والقاش وطوكر وأبو حبل. وتتحقق حوكمة هذه المؤسسات بدراسة وتحليل الأسباب التي أقعدتها عن القيام بالأهداف التي من أجلها أنشئت، وبالعمل على إعادتها إلى ما كانت عليه وأفضل، وبالضرورة دعم وتقوية بنياتها التحتية، المادية بتأهيلها وإعادة إعمارها وكذلك بنياتها البشرية بالتعيين والتدريب والإحلال فالمتابعة والتقييم والمحاسبة.

 حيث إنه قد لُوحظ بأن كل المؤسسات العامة في السودان تقريبا تعاني من قصور بائن في كل هياكلها، وغياب لأجسام وإدارات تعِني بالضرورة بوضع الخطط، ومتابعة الأداء وتقييم النتائج لما تم إنجازه من برامج وخطط عمل، إدارات التخطيط التقييم والمتابعة (Planning, Monitoring & Evaluation) تكاد تكون غائبة عن أداء أدوارها في مؤسسات القطاع الزراعي، وإن وجدت فدورها يكاد لا يكون مرئيا!

 

حيازة الأرض :(Land Tenure)

الجهود الدولية والقارية لمجابهة تحديات الأرض/

قامت مفوضية الاتحاد الأفريقي (AUC) ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا (UNECA) وبنك التنمية الأفريقي (AfDB) بجهد مشترك للتعاون في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا من خلال عدة أمور من بينها التحديث والتحول الزراعي. تحقيقآ لذلك فقد شرعوا معا بكتابة مسودة مبادرة سياسة الأرض (Land Policy Initiative [LPI]) في العام 2006 لدراسة قضايا وتحديات سياسة الأرض في أفريقيا، بهدف وضع ‘إطار’ لتعزيز حقوق الأرض وتحسين الإنتاجية وتقوية سبل كسب العيش. يوفر هذا ‘الإطار’ المبادئ التوجيهية ولمحة عامة وواضحة عن الخلفية التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لمسألة الأرض في أفريقيا ويوضح دور الأرض كمصدر عزيز وغالي للموارد الطبيعية وفي تحقيق التنمية الاقتصادية والحد من الفقر. وبالاستفادة من التجارب الناجحة والدروس المُستفادة لبعض الدول في وضع وتنفيذ سياسات الأرض بها. ولقد تم لاحقا تطوير الإطار والمبادئ التوجيهية وإقرارهم بذلك في المؤتمر المشترك لوزراء الزراعة والأراضي والثروة الحيوانية الذي انعقد في أديس أبابا، إثيوبيا، أبريل 2009. وتم تبنى “الإعلان حول قضايا وتحديات الأرض في أفريقيا” في الدورة العادية الثالثة عشرة لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي التي عقدت في يوليو 2009، في سرت، ليبيا.

أهمية الإطار والمبادئ/

هذا الإطار والمبادئ التوجيهية هو أكثر بكثير من مجرد وثيقة أخرى عن الأرض، بل يعكس إجماعا حقيقيا حول قضاياها، ويعمل كأساس لالتزام الحكومات الأفريقية في صياغة وتنفيذ سياسة الأرض، والأساس للمشاركة الشعبية في تحسين إدارة هذا المورد الهام. فدور الأرض في عملية التنمية القومية لا يمكن إغفاله حيث تحتاج الحكومات الوطنية الى اتخاذ التدابير المناسبة لضمان أن تلعب الأرض دورها الأساسي في عملية التنمية، وبشكل خاص في إعادة البناء الاجتماعي وتعزيز الفرص المتساوية، وفي الحد من الفقر، وتعزيز الحكم، وإدارة البيئة، وتعزيز سُبل حل النزاعات، والدفع بالتحديث الزراعي.

ويتمثل التحدي المستمر الذي يجب أن تواجهه السياسات الحديثة للأرض في أفريقيا وفي السودان بالضرورة في الحاجة إلى المزج بين التقاليد والحداثة لأنظمة حقوق الأرض. وهنا يكون من المهم أن تسعى سياسات الأرض إلى إزالة الجمود القديم في الهياكل والنظم التقليدية من خلال الاعتراف بشرعية حقوق الأرض الخاصة بالسكان المحليين، لذلك يجب أن تعنى عمليات سياسات الأرض الحديثة بدور وهياكل إدارة الأرض المجتمعية والمحلية، وأن تسعى الى توفير الترابط الضروري بين أنظمة الدولة وأنظمة السكان المحليين، خاصة فيما يتعلق بإصدار الشهادات لحقوق الأرض.

إن تعزيز فرص الوصول إلى الأرض من خلال مختلف الأشكال والطرق سوف يسهل اقتناص الفرص الاقتصادية ويؤمن سبل كسب العيش لجميع مستخدمي الأرض، حيث تؤدي إصلاحات الحيازة المصحوبة عند الضرورة ببرامج إعادة توزيع الأراض إلى التحسن في الوصول إلى حيازة الأراض وتوفير الأمن إلى الفئات الضعيفة في المجتمع خاصة النساء، واللاتي يشكلن معظم فقراء الريف، ويتطلب ذلك بالضرورة تعميم قضايا ملكية واستخدام الأراض في إستراتيجيات الحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي، وأن تتم المواءمة ثم الترشيد بين هذه الأهداف والتدابير المناسبة والعادلة التي تبدو وكأنها متناقضة.  

إن معالجة مفهوم الاستحواذ، التملُّك (Possession) أو الحيازة للأرض، أمر مهم بشكل خاص إذا كان من الضروري كسر حلقة التبعية والفقر المؤسسي بين هذه الفئات، والعمل على إزالة التناقض بين السعي وراء إستراتيجيات جيدة لتنمية الأرض من جهة والخيارات التي يحركها السوق من جهة أخرى، وألا تؤدي السياسات المتزايدة حاليا والقائمة على إعلاء “أهداف السوق” والخاصة بتنمية الأرض عن طريق نزع ملكية الأرض من المجتمعات والأفراد وإلى تعريض الفئات الضعيفة إلى مزيد من التهميش.

 

السودان وتطبيق الاتفاقية/

بالرغم من أن السودان قد أصبح مُلزما بتطبيق هذه الاتفاقية، إلا أنه لُوحظ وفي خلال السنوات ما بعد استقلال السودان (1956)، وحتى قبل التوقيع على هذه الاتفاقية، فقد تم الاستيلاء على مساحات شاسعة من اراضي المجتمعات السكانية (Dispossession of Communal Lands) لقيام المشاريع القومية للزراعة المروية والمطرية وللتوسع المُفرِط في الزراعة الآلية على حساب الغابات والمراعي وللقطع الجائر للغابات والتدهور المريع في البيئة، مما أدى إلى تكثيف النزاعات بين المزارعين والرعاة.

تفاقم الوضع بشدة لقيام سلطة “الإنقاذ” (1989) بتوزيع مساحات مهولة من الأرض الصالحة للزراعة (Arable lands) إلى ممن أُطلق عليهم “المستثمرون والأشقاء العرب”، وفقآ لاتفاقات غاب عن معرفة تفاصيلها غالب الشعب السوداني خاصة المجتمعات التي تمت مصادرة أراضيها (Land Grab) لصالح هؤلاء المستثمرون (الراجحي [السعودية]، أمطار[الإمارات]، مصر، البحرين، جيبوتي، تركيا، البرازيل، وحتى مشاريع الري المحوري لأسامة داؤود بشرق النيل)، حيث تبلغ أجالها في الغالب تسع وتسعون عاما، قابلة للتمديد. المحزن في الأمر أنه لم تجرى أي دراسات فنية، اجتماعية وحتى اقتصادية لجدوى هذه المشاريع، كذلك لم تراع هذه المشاريع والشركات الوفاء بحقوق السكان الذين يقطنون مناطق الاستثمار من خلال منحهم ميزة تفضيلية (Affirmative Action) في الاستخدام بالمشروع. أو تحسين ظروف المعيشة لهم بتوفير المياه الصالحة للشرب (Potable Water) والمساعدة في تقديم خدمات التعليم والصحة والطرق المعبدة والعديد من الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها هؤلاء السكان. وأيضا من غير المعروف كم هو العائد المادي للسودان من هذه الشركات والمشاريع، من جمارك، رسوم، ضرائب، زكاة وغيرها من العوائد.

رأيت أنه من الضروري أن أشرك القراء لأمثلة عن الكيفية التي كانت تدير بها سلطة الإنقاذ لملف الأرض، بمنحها ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية لدول وشركات وأفراد دون وجه حق ودون تحقيق مطلوبات التنمية الريفية المتكاملة، ودون مراعاة للحقوق التاريخية للمجتمعات السكانية في تلك الأراضي. حيث كشف تقرير منظمة قرين (GRAIN)  عن نهب الأراضي الزراعية (Land grabbing): عن ضخامة الأراضي السودانية التي تم الاستيلاء عليها. وأوضح التقرير ان من بين الأراضي التي خصصت لمستثمرين اجانب في عام 2016 وحده (780,000) هكتار للإدارة التركية العامة للأعمال الزراعية، و(131,890) هكتار لشركة وفرة المصرية، و(100,000) هكتار لشركة حصاد Hassad القطرية، و(87,200) هكتار لشركة GLB اللبنانية، و(55,000) هكتار لشركة أمطار الامارتية، و(40,466) هكتار للشركة السودانية المصرية للتكامل، و (40,000) هكتار لاتحاد الفلاحين المصريين، (29,400) هكتار لصندوق أبوظبي للتنمية، و(25,000) هكتار لنادك السعودية، و(20,000) هكتار لشركة جنات التابعة لاستثمارات الراجحي السعودية، و(12,000) ألف هكتار لشركة مجموعة بينسو البرازيلية، و(9,239) هكتار لشركة المراعي السعودية. (الهكتار يساوى 2.4 فدان)

 

 مقترحات معالجة قضايا الأرض بالسودان:

لكل ذلك وفي عُجالة نقترح الحلول أدناه لمعالجة قضية الأرض على المديين المتوسط والطويل، وحتى تتحقق أهداف التنمية الريفية المتكاملة والتزامات إعلان مالآبو وأهداف التنمية المستدامة، علما بأن الحلول المُقترحة تتطلب نقاش علمي ومجتمعي وأن يتم الاتفاق حولها، نرجو أن يتحقق ذلك قريبا:

§    حصر الأراضي الزراعية حسب توزيعها الجغرافي ومساحاتها والمُستغل وغير المُستغل منها حاليا، وأوجه الاستغلال، ومراجعة العقود التي تم بموجبها تم منح تلك الأراضي الزراعية للشركات والمشاريع المحلية والأجنبية وتعديلها وفقآ للمصلحة الوطنية.

§    مراجعة قانون استخدام الأراضي الزراعية وإجراء التعديلات الضرورية فيه، ودعم وتقوية إدارة استثمار الأراضي الزراعية وإعادتها إلى وزارة الزراعة بدلا عن مصلحة الأراضي، وأن تتمتع بالكفاءة والفعالية للاستجابة لاحتياجات ومطالب جميع فئات المجتمع.

§    مراجعة وتعديل سياسات الحيازة والأراضي، والتي بالضرورة تكون منحازة لفقراء الريف، ويجب أن يكون الحصول على الأرض والموارد مُنصِفا، حيث أنه لا ينبغي استبعاد أي مجموعة داخل المجتمع سياسيا، اجتماعيا أو قانونيا من القدرة إلى الوصول إلى الأرض والموارد الطبيعية ذات الصلة، ويجب اتخاذ التدابير الضرورية لضمان تأمين حقوق الملكية للنساء والشباب، بل ومنحهم ميزة تفضيلية (Affirmative Action).

§    وضع الخطط والبرامج المستقبلية لإدارة مورد الأرض والموارد المصاحبة للتعامل مع ازدياد السكان واستخدامات الأراضي الهامشية، والشروع في استخدام مخزون المياه الجوفية وفقآ لمعطيات حقيقية ومراعاة لحقوق الأجيال القادمة في هذه الموارد الحيوية، مع الوضع في الاعتبار الميزة النسبية (Comparative Advantage) للمناطق عند وضع الخطط والبرامج المستقبلية.

§     العمل على ضمان أمن الحيازات لجميع أفراد المجتمع، والاعتراف القانوني بطائفة من حقوق ملكية الأرض وحمايتها، بما في ذلك الحقوق التقليدية والعرفية والأشكال الأخرى للحيازة.

§    يجب أن تكون تكاليف الحصول على خدمات الأرض في متناول الجميع وأن تكون الإجراءات بسيطة وواضحة.

§    يجب ان تكون عملية صنع القرار المتعلقة بالأرض شفافة ونزيهة وأن تكون إجراءات المشاركة مفتوحة للجميع لضمان أن يكون أصحاب المصلحة والمعنيين من المشاركين فعليا فيها.

§     العمل على تجنب القيام بعمليات الإخلاء القسري حيثما كان ذلك ممكنا وعند الضرورة القصوى، ووفقا للقانون الوطني والمعايير الدولية والقارية والمتعلقة بالإجراءات القانونية الواجبة والتعويض العادل.

§     قيام مفوضية أراضي تكون مسئولة عن توزيع الأراضي، وإشراك كل الجهات ذات الصلة في لجانها وأعمالها.

 

تقييم الأثر البيئي وإدارة المخاطر (Environmental Impact Assessment [EIA] and Risk Management (RM))

يمكننا القول بأن تقييم الأثر البيئي هو تقييم للتأثير الإيجابي أو السلبي المحتمل الذي قد يخلفه إنشاء مشروع مقترح على البيئة، آخذين في الحسبان الجوانب الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية. يتم استخدم مصطلح “تقييم الأثر البيئي” عادةً عند تطبيقه على المشاريع الفعلية التي ينفذها الأفراد أو الشركات، بينما يُستخدم مصطلح “التقييم البيئي الاستراتيجي” على السياسات والخطط والبرامج والمشاريع التي تقترحها أجهزة الدولة في أغلب الأحيان.

تُعرِّف الرابطة الدولية لتقييم الأثر البيئي [2](IAIA) تقييم الأثر البيئي بأنه “عملية تحديد وتوقع وتقييم وتخفيف التأثيرات الجيوفيزيائية والاجتماعية وغيرها من التأثيرات ذات الصلة لمقترحات التطوير قبل اتخاذ القرارات الرئيسية والالتزامات”[3] . تقييم الأثر البيئي لا يتطلب الالتزام بنتيجة بيئية محددة مسبقًا، بل يتطلب من صناع القرار مراعاة القيم البيئية في قراراتهم وتبرير تلك القرارات في ضوء الدراسات البيئية التفصيلية والمعلومات العامة على التأثيرات البيئية المحتملة. ويتم إيلاء اعتبار خاص للتأثيرات الاجتماعية للمشروع، حيث يتم إعلاء أهمية الآثار الاجتماعية على ما سواها. وغالبًا ما يشار إلى تقييم الأثر البيئي (Environment Impact Assessment [EIA]) بتقييم الأثر البيئي والاجتماعي (Environment and Social Impact Assessment [ESIA]).

في ذات الوقت فأن تقييم المخاطر البيئية يقيّم احتمالية تسبب أنشطة الأعمال أو أنشطة المشروع المُزمع إنشاءه بالمُتوقع من أضرار على البيئة. لذلك فإنه بالضرورة القيام بعملية تقييم شاملة للمخاطر التي قد تخلفها تلك الأنشطة البشرية على البيئة، وتشمل البيئة هنا البشر (تأثير المخاطر الصحية) والبيئية (التأثيرات على الحيوانات والنباتات). وهذا يشمل وصف المخاطر والتأثيرات المحتملة، ومن ثم اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من المخاطر المرتبطة بقيام المشروع.

يتضمن تقييم المخاطر عادةً العديد من الخطوات الضرورية وتشكل تلك الخطوات العمود الفقري لخطة إدارة المخاطر الشاملة. وتحليل المخاطر هو أحد تلك الخطوات – تلك التي تحدد فيها الخصائص المحددة لكل خطر وتعيين درجة لكل منها بناءً على النتائج التي توصلت إليها – تتضمن الاختلافات الرئيسية بين تقييم الأثر البيئي وتقييم المخاطر البيئية فيما يأتي: في حين أن تقييم الأثر البيئي هو مجال واسع يشمل جميع الأنشطة التي تحاول تحليل وتقييم آثار الإجراءات البشرية والمرتبطة بها على البيئة، فإن تقييم المخاطر يهتم عمومًا بالمشاكل التنظيمية المحددة جيدًا نسبيًا ويستخدم تحليلًا كميًا رسميًا للمخاطر المحتملة. يقوم تقييم المخاطر البيئية بتقييم احتمالية تسبب النشاط (زراعي، تجاري أو عملياتي) في ضرر للبيئة. يتضمن هذا وصف المخاطر والتأثيرات المحتملة بالتحضير ثم اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من المخاطر المرتبطة بها، وباستخدام تقنيات شتى لتقييم مخاطر الصحة والسلامة الذي يتعين التعامل معها بالفعل. يتضمن تقييم المخاطر عادةً العديد من الخطوات ويشكل العمود الفقري لخطة إدارة المخاطر الشاملة. يعد تحليل المخاطر أحد تلك الخطوات – الخطوة التي تحدد فيها الخصائص المحددة لكل خطر- وتعين لكل منها درجة بناءً على النتائج التي تم الوصول إليها.

يبدو جليا أن دراسات تقييم الأثر البيئي وإدارة المخاطر لم يتم إجرائها للعديد من المشاريع الزراعية وبمساحاتها الشاسعة سواء للاستثمارات الأجنبية “أمطار، الراجحي، مصر، تركيا” والمحلية ” أسامة داؤود، وجدي ميرغني” وغيرها، مما يحتم العودة لخطوات تأسيس تلك المشاريع وتصحيح تلك الأخطاء إن وُجدت!

المياه الجوفية واستخداماتها (Aquifers & Usage)

الطبقة المائية الجوفية هي كتلة من الصخور و/أو الرواسب التي تحتوي على المياه المخزنة تحت الأرض، المياه الجوفية هي الكلمة المستخدمة لوصف مياه الأمطار التي تسللت إلى داخل التربة من خارج السطح وتجمعت في مساحات فارغة تحت الأرض. هناك نوعان عامان من طبقات المياه الجوفية: محصورة وغير محصورة. تحتوي طبقات المياه الجوفية المحصورة على طبقة من الصخور أو الطين غير القابل للاختراق فوقها، بينما تقع طبقات المياه الجوفية غير المحصورة أسفل طبقة نفاذة من التربة، ويتم تصنيف طبقات المياه الجوفية أحيانًا وفقًا لنوع الصخور أو الرواسب التي تتكون منها، فالمياه التي تنحدر من سطح التربة وتتجمع في الفراغات بين الرواسب والشقوق داخل الصخور تسمى المياه الجوفية، حيث يختلف معدل تحرك المياه تحت الأرض اعتمادًا على نفاذية الصخور. من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول طبقات المياه الجوفية أنها أنهار أو بحيرات جوفية، في حين أن مياه الأمطار يمكن أن تتسرب إلى طبقات المياه الجوفية أو تخرج منها بسبب طبيعتها المسامية، إلا أنها لا تستطيع التحرك بسرعة كافية للتدفق مثل النهر. تملأ المياه الجوفية جميع الفراغات الفارغة تحت الأرض، فيما يسمى بالمنطقة المشبعة، حتى تصل إلى طبقة من الصخور لا يمكن اختراقها، تسمى المدة التي تظل فيها المياه في طبقات المياه الجوفية بمدة إقامتها، والتي يمكن أن تتفاوت على نطاق واسع، من بضعة أيام أو أسابيع إلى عشرات الألاف من السنين أو أكثر. ويمكن أن تنضب المياه الجوفية إذا استخدمناها بمعدل أسرع من معدل تجديدها (Replenish). ويطلق على تجديد طبقات المياه الجوفية عن طريق هطول الأمطار إعادة الشحن (Recharging). وقد زاد استنزاف طبقات المياه الجوفية في المقام الأول بسبب التوسع في الري الزراعي. ويمكن أن تصبح المياه الجوفية ملوثة عندما يتم رش كمية مفرطة من المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب على الحقول الزراعية، أو تتسرب خزانات الصرف الصحي إليها.

يتحدث السودانيون بشكل عام وحتى المتخصصون عن وفرة المياه الجوفية في العديد من المناطق بالسودان، في المناطق الشمالية لإقليمي دارفور وكردفان، لكن يتحدثون بشكل خاص عن الحوض النوبي في إقليم شمال السودان. وبناء على ذلك المفهوم وربما دون توفر معلومات حقيقية عن حجم المياه المُخزنة في الحوض النوبي وغيره، فقد تم منح مساحات شاسعة من الأراضي للإستثمار الأجنبي والمحلي. خاصة وأن العديد من هذه المشاريع والتي تبلغ مساحاتها ألاف الأفدنة تروى من مخزون المياه الجوفية النابضة وتعمل على استنزاف طبقة المياه الجوفية (Aquifer Depletion) في الحوض النوبي وما جاوره، بينما نصيب السودان من مياه النيل بموجب اتفاقية (1959) لم يتم استخدامه بالكامل!

وبالتالي أصبحنا نحن الذين نعيش في السودان حاليا، قد تغولنا دون حق على مخزون المياه الجوفية الخاص بالأجيال القادمة في عالم مقبل بالضرورة على نزاعات بين الدول في استخدامات مياه الأنهار العابرة والبحيرات على الحدود المشتركة [المشكلة العالقة الآن بين إثيوبيا ومصر والسودان حول فترة التخزين المقبولة للمياه خلف سد النهضة، والاتفاق على حقوق دول مجرى النيل الأزرق في المياه، وما يحدث اليوم من توقيع لاتفاقية عنتيبي – يوغندا لدول حوض النيل، دون السودان ومصر!].

 يمكن أن نشير هنا كمثال إلى مشروع “أمطار” الإماراتي الوقع غربي مدينة الدبة وعلى مساحة تبلغ 118 ألف فدان كمثال، يُستثمر لزراعة محصول البرسيم (Alfalfa) عالي استهلاك المياه والذي يتم ريه من مخزون المياه الجوفية، ومُستخدما الطاقة الكهربائية الشحيحة من الشبكة القومية للكهرباء، لتصدير البرسيم المشبع بالمياه لمزارع إنتاج الألبان بدولة الإمارات العربية المتحدة. هذا القول ينطبق على العديد من المساحات التي مُنحت للعديد من الدول والأفراد، دون دراسة للجدوى الاقتصادية والاجتماعية وحتى دراسات تقييم الأثر البيئي، بل تم منح تلك المساحات لآجال تمتد إلى 99 عاما مع إمكانية التجديد لثلاث فترات!

 

التنمية الريفية المتكاملة (Integrated Rural Development [IRD])

المناطق الريفية في أفريقيا والسودان بالضرورة هي في الواقع مناطق جغرافية تقع خارج المدن، تتميز بكثافة سكانية منخفضة، ومساحات مفتوحة وكبيرة، وانتشار للزراعة التقليدية أو غير المطورة وكذلك الرعي التقليدي، وبالضرورة تفتقر المناطق الريفية عادةً توفر البنيات التحتية والخدمات الشاملة، مثل توفر المياه الصالحة للشرب (Potable Water) شبكات الطاقة، المرافق العامة للتعليم والصحة، شبكات الصرف الصحي، توفر وسائل الحركة لأنظمة النقل العام، والوصول إلى الإنترنت. على النقيض من ذلك تتميز المناطق الحضرية بكثافة سكانية عالية، وبنية تحتية واسعة، وتركيز الخدمات ووسائل الراحة، وتشمل المناطق الحضرية المدن والبلدات ذات شبكات الطرق المتطورة، وسائل النقل العام، والمباني التجارية والسكنية والصناعية المختلفة. تعتبر هذه المناطق مراكز للنشاط الاقتصادي والمؤسسات الثقافية والخدمات الاجتماعية، مما يوفر للسكان المزيد من فرص العمل والمرافق التعليمية وخيارات الرعاية الصحية مقارنة بالمناطق الريفية. لذلك مثل الفقر المتفشي في المناطق الريفية البعيدة عن المراكز الحضرية مصدر قلق مستمر للحكومات الوطنية والمنظمات والهيئات الدولية الإنمائية، فبالرغم من توفر الموارد الضرورية للتنمية في تلك المناطق من الأراضي الصالحة للزراعة، المياه “الأمطار، والأنهار المستمرة والموسمية”، المراعي الطبيعية والغابات، إلا أنه لم تحظ تلك المناطق بما تستحق من فرص التنمية، وظل إنسانها يعاني من الفقر والمرض والأمية وشح فرص العمل، لذلك أكد المجتمع العالمي على أهمية تحقيق مطلوبات التنمية الريفية المتكاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، ولجهود لمعالجة مشاكل الفقر والجوع والصحة والتعليم وغيرها من المؤشرات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

في الماضي، تأثرت التنمية الريفية سلباً بالنهج الذي كان يعرف من الأعلى إلى الأسفل (Top-Bottom Approach) في التعامل مع تحديات التنمية، وبالتالي أصبحت “مدفوعة بالعرض – Supply Driven ” في العديد من بلدان العالم الثالث، ​​وعلى العكس من ذلك فإن التطورات الأخيرة للحوكمة في تحقيق اللامركزية والفيدرالية فقد قامت وعمِلت وتدعو إلى استراتيجية من سماتها نهج من الأسفل إلى الأعلى (Bottom-Top Approach) وبذلك أصبحت “مدفوعة بالطلب – Demand Driven“، ولديها المقدرة على النظر في الاحتياجات الحقيقية للمجتمعات المحلية، ومن ثم العمل على تحديد المطلوبات المحددة لكل منطقة. لكل ذلك كان من الضروري إشراك القطاعات والمؤسسات المحلية في مجهودات تحقيق التنمية الريفية المتكاملة، وأصبح تنسيق أنشطة التنمية الريفية المختلفة أمرًا لا غنى عنه لتعظيم جهود التنمية الريفية واستدامتها، وقد تم تحقيق ذلك على نطاق واسع من خلال اعتماد استراتيجية التنمية الريفية المتكاملة (IRD) في العديد من البلدان.

تتطلب برامج التنمية الريفية المتكاملة عادة إنشاء جسم أو منظمة تنسيقية مركزية على المستوى الوطني، لكن تكشف التجارب أن تنفيذ مثل هذه البرامج أن المنظمة المركزية لن تؤدي إلا إلى خلق طبقة إضافية من البيروقراطية وتصبح غير فعّالة في تنسيق الأنشطة المختلفة التي تقوم بها قطاعات مختلفة في جهود التنمية الريفية على المستوى المحلي والمركزي. وبناءً على ذلك، أنشأت بعض برامج التنمية الريفية في العديد من الدول آليات تنسيق على المستويات الدنيا متناغمة مع المركز تشمل مكاتب المشاريع ووحدات الحكومة المحلية في مناطق المشاريع المحددة، ومع الطريقة اللامركزية لتنفيذ المشاريع تم التأكيد على مشاركة المجتمعات المحلية في عملية التنمية الريفية وجعلها مكونًا لا غنى عنه للبرنامج. وفي ظل هذه الظروف، أصبح دور المؤسسات المحلية مثل وحدات الحكومة المحلية، والمنظمات المحلية الرسمية وغير الرسمية مثل التعاونيات والمجموعات الثقافية والمنظمات غير الحكومية، أكثر أهمية لجهود التنمية الريفية المُستدامة وتحقيق تكامل جهود التنمية الريفية المختلفة، حيث بإمكان المؤسسات الحكومات المحلية ومنظمات المجتمع المحلي أن تُقيم شراكة تعاونية قادرة على تحمل المسؤولية وتطوير “رؤية” واستراتيجية محلية؛ وبتصميم وتخطيط وتخصيص الموارد وتنفيذ ومراقبة/تقييم الأنشطة التنموية التي من شأنها أن تلبي الاحتياجات المحلية بشكل أفضل. وبالضرورة فسوف يصبح هذا العمل المشترك القوة الدافعة نحو التنمية الحقيقية، وتقوية “الشعور بالملكية المشتركة”.

وفي المقابل تصبح المطلوبات المهمة للحكومة المركزية هي في صياغة وتنفيذ السياسات لتسهيل الأداء الفعال للأدوار الجديدة التي تضطلع بها الجهات الفاعلة الأخرى محليآ ومركزيا، وبتطبيق اللامركزية سوف تضطلع الحكومات المحلية بتحمل مسؤوليات أكبر وتصبح مراكز محورية للتنمية المحلية. إن التنمية الريفية المتكاملة تتطلب من المجتمعات المحلية أن تتولى العديد من الأنشطة التي كانت الحكومة المركزية تؤديها، مثل بعض الوظائف القانونية والتنظيمية وتوفير الخدمات الزراعية والبيطرية كالإرشاد الزراعي والبيطري. وبالإضافة إلى ذلك ومع زيادة الطلب والمشاركة المجتمعية، وتنويع الأنشطة الاقتصادية، فسوف تزداد المسؤوليات على المركز بالضرورة وكذلك المجتمعات المحلية، وخاصة في مرحلة الانطلاق، كتسهيل بناء قدرات المجتمعات المحلية، وتحفيز التفاعلات بين المنظمات المجتمعية والقطاع الخاص المنظم، وضع وتفعيل آليات الرصد، وما إلى ذلك. ولتحقيق برامج التنمية الريفية المتكاملة والاستدامة، فإن التحدي يكمن في تسهيل وتأسيس عملية من خلالها تعمل المجتمعات الريفية نفسها على تطوير المنظمات المحلية الملبية لاحتياجاتها، وبدور فعال للمركز في مرحلة التأسيس، ولتقوم بما يليها من تحديدٍ للاستخدام الفعال لرأس المال الاجتماعي باعتباره الدور الأكثر أهمية للمجتمعات المحلية في التنمية الريفية المتكاملة. وكشرط أساسي لتراكم رأس المال الاجتماعي وتعبئته بفعالية من أجل التنمية المجتمعية، فإن “تحسين أو ترقية” رأس المال البشري أمر بالغ الأهمية من خلال التعليم والتوعية وتوفير الخدمات الأساسية. إن تطوير مهارات الأفراد في مجتمع معين من شأنه أن يعزز نوعية وكمية إنتاج رأس المال الاجتماعي مثل العمل الجماعي.

يمكننا القول بأنها لم تتم لجُل وربما كل المشاريع والتي تم إنشائها في الفترة (1989-2024) أي دراسات للجدوى الاقتصادية والاجتماعية. كما لم تُجرى دراسات لكيفية اصطحاب مفاهيم وبرامج التنمية الريفية المتكاملة (Integrated Rural Development Programmes [IRD]). والتي يمكن تعريفها بأنها الآلية الرئيسية للتخفيف من وطأة الفقر في الريف كمفهوم للتخطيط يحاول إعادة التأكيد على الحاجة إلى نهج شامل للتنمية الريفية، وأن الهدف الرئيسي من برامج التنمية الريفية المتكاملة هو دعم أفراد وأسر المجموعات المستهدفة من السكان المحليين والواقعة تحت خط الفقر من خلال خلق فرص مستدامة للعمل الحر في القطاع الزراعي الريفي.

مع مراعاة أن دمج مختلف القطاعات والتخصصات في مبادرات التنمية الريفية يطرح عقبات فريدة، بما في ذلك قضايا التنسيق، وقيود الموارد، وصعوبات إشراك أصحاب المصلحة، والعمل على تحديد التحديات الرئيسية، مثل القدرة المؤسسية المحدودة، والتمويل غير الكافي، والحاجة إلى التعاون متعدد التخصصات واستراتيجيات إشراك قطاعات المجتمع، وبناء القدرات، وتبني التكنولوجيا المبتكرة للتغلب على هذه العقبات، وتطبيق المناهج المصممة خصيصًا لمراعاة السياقات المحلية وتمكين المجتمعات الريفية في عمليات صنع القرار. هذا النهج للتعامل مع التحديات ضروري لاستدامة التنمية في المناطق الريفية لأنه يضمن أن تكون التدخلات محددة للسياق، ومناسبة ثقافيًا، وفعالة في استخدام الموارد، مما يؤدي في النهاية إلى نتائج أكثر فعالية واستدامة، من خلال فهم ومعالجة تلك التحديات والعمل على تنفيذ استراتيجيات فعالة، وبالتالي يمكن أن تؤدي التنمية الريفية المتكاملة إلى نتائج مستدامة وشاملة في المناطق الريفية.

لذلك، من المفيد إجراء تحليل مقارن لدور المجتمعات والمؤسسات المحلية في مشاريع التنمية الريفية المتكاملة في السودان والدول القريبة ذات التجارب الناجحة، وتحديد المناهج المبتكرة التي يمكن إنزالها من خلال جهود المقارنة للاتجاه المستقبلي الذي سيتم اتباعه في هذا الصدد.

 

التنمية الزراعية الشاملة والتحول (Comprehensive Agricultural Development and Transformation)/

للأمم المتحدة برامج للتنمية المُستدامة إبتدرتها في العام 2000 بعنوان الأهداف الإنمائية للألفية (MDGs) لتحقيق ثمانية أهداف رئيسية بحلول عام 2015هذه الأهداف تشمل القضاء على الفقر المدقع والجوع، تحقيق التعليم الابتدائي الشامل، تعزيز المساواة بين الجنسين، خفض معدل وفيات الأطفال، تحسين صحة الأمهات، مكافحة الأمراض مثل الإيدز والملاريا، ضمان الاستدامة البيئية، وتطوير شراكة عالمية من أجل التنمية. لحق به برنامج التنمية المستدامة، المعروف أيضًا بأهداف التنمية المستدامة (SDGs)، وهو خطة وضعتها الأمم المتحدة في عام 2015 لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع بحلول عام 2030تتضمن هذه الخطة 17 هدفًا رئيسيًا تتناول التحديات العالمية مثل الفقر، عدم المساواة، تغير المناخ، تدهور البيئة، السلام، والعدالة.

وفي 12 ديسمبر من العام 2015 اتفق العالم على أن تغير المناخ هو حالة طوارئ عالمية تتجاوز الحدود الوطنية، وإنها قضية تتطلب حلولاً منسقة على جميع المستويات وتعاوناً دولياً لمساعدة الدول على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون. تبنت 197 دولة اتفاق باريس لمواجهة تغير المناخ وآثاره السلبية في مؤتمر الأطراف بباريس (COP 21).  ودخل الاتفاق حيز التنفيذ بعد أقل من عام، يهدف الاتفاق بشكلٍ كبير إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة، يتضمن الاتفاق التزامات من جميع الدول لخفض انبعاثاتها والعمل معاً للتكيف مع آثار تغير المناخ، وتدعو الدول إلى تعزيز التزاماتها بمرور الوقت، يوفر الاتفاق أيضا طريقاً للدول المتقدمة لمساعدة الدول النامية في جهود التخفيف من حدة المناخ والتكيف معها مع إنشاء إطارٍ للرصد والإبلاغ الشفافَين عن الأهداف المناخية للدول، ويوفر اتفاق باريس إطاراً دائماً يوجه الجهد العالمي لعقود قادمة، والهدف هو رفع مستوى طموح الدول بشأن المناخ بمرور الوقت. ولتعزيز ذلك، نصَّ الاتفاق على إجراء عمليتَي مراجعة، كل واحدة على مدى خمس سنوات. وحتى اليوم انضمت 194 دولة (193 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي) إلى اتفاق باريس، السودان إحداها

كذلك قام الإتحاد الأفريقي بوضع أجندة العام 2063 وهي خطة استراتيجية طويلة الأمد وضعها الاتحاد الأفريقي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في أفريقيا على مدى 50 عامًا، من 2013 إلى 2063، تهدف هذه الأجندة إلى تحويل أفريقيا إلى قوة عالمية من خلال تعزيز الوحدة، وتقرير المصير، والحرية، والتقدم، والازدهار الجماعي، تشمل ستة أهداف تعمل القارة على تحقيقها بحلول العام 2063، وهي التنمية الشاملة والمستدامة، التكامل القاري والإقليمي، الحكم الديمقراطي والسلام والأمن، تمكين الشباب والنساء، البنية التحتية والتكنولوجيا، والحفاظ على البيئة.

ويندرج البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا (CAADP) ضمن الأجندة القارية والعالمية:

تعهد القادة الأفارقة في إعلان (مابوتوموزمبيق 2003) بإستعدال عقود من نقص الاستثمار في القطاع الزراعي والالتزام بتخصيص 10% كحد أدنى من ميزانياتهم الوطنية لقطاع الزراعة سنويا، لتحقيق نمو زراعي سنوي يبلغ 6% كحد أدنى، وإلى إعادة تنشيط القطاع الزراعي بما في ذلك الثروة الحيوانية والغابات ومصائد الأسماك، وكذلك من خلال تمتين وتنفيذ الاستراتيجيات والسياسات الخاصة والتي تستهدف صغار المزارعين وأصحاب الزراعات التقليدية في المناطق الريفية خاصة، ومن خلال تهيئة الظروف لإشراك القطاع الخاص في العملية الإنتاجية. مع التركيز على تنمية القدرات البشرية، إزالة القيود المفروضة على الإنتاج الزراعي والتسويق، تحسين خصوبة التربة، دعم فقراء المنتجين، الإدارة المستدامة للمياه، بناء وتدعيم البنيات التحتية ومكافحة الآفات والأمراض.

تكلل ذلك في (مالآبو – غينيا الاستوائية) في يونيو من العام 2014، حيث أكدّت القمة الأفريقية الثالثة والعشرون لرؤساء الدول والحكومات الأفارقة على جدوى مقررات قمة مابوتو 2003 وعلى فاعلية الأعمدة (المحاور) الأربعة الرئيسية للبرنامج الشامل للتنمية الزراعية لقمة مابوتو – موزمبيق 2003، وضرورة تفعيلها والسير بها إلى الأمام. وبالفعل صدرت مقررات قمة مالآبو – غينيا الاستوائية 2014، لإحياء مقررات مابوتو موزمبيق 2003 تحت العنوان: إعلان مالآبو لتسريع النمو الزراعي والتحول في أفريقيا (Malabo Declaration on Africa Accelerated Agricultural Growth and Transformation [3AGT]).

البرنامج الشامل للتنمية الزراعية والسودان/

جاء إطلاق البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في السودان منذ العام 2003، حينما قام السودان بكتابة وإجازة خطته الأولى (NAIP) للأعوام (2016-2020) في أكتوبر من العام 2016، لتنسجم مع البرنامج الخماسي للإصلاح الإقتصادي (2015-2019) والذي كان يهدف إلى استعادة النمو الإقتصادي بوتيرة مُتسارعة ومُستدامة في حدود 7% في المتوسط سنويا، ومعدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي في نهاية البرنامج الخماسي للإصلاح الاقتصادي إلى 7.1%.

الخطة الوطنية للإستثمار الزراعي في السودان (Sudan National Agricultural Investment Plan [NAIP]) هي إحدى الآليات لتحقيق أهداف البرنامج الشامل للتنمية الزراعية (CAADP) من حثٍ وتحفيزٍ وتدفق للاستثمارات بالقطاع الزراعي من خلال التدخلات الحكومية وإشراك القطاع الخاص (محلي وأجنبي) وأيضا شركاء التنمية بغرض تسريع خطى التنمية الزراعية والاقتصادية وتحسين أوضاع الأمن الغذائي وسبل كسب العيش والحد من الفقر.

تتلخص أهداف الخطة الوطنية للاستثمار الزراعي للسودان في/

  • زيادة الإنتاج والإنتاجية الزراعية والكفاءة في مراحل الإنتاج والتجهيز للتصنيع
  • تحقيق الأمن الغذائي والتغذوي
  • الحد من الفقر الريفي بنسبة 50% بحلول عام 2020 وتوليد فرص العمل خاصة للشباب والنساء، وزيادة نصيب الفرد من الدخل القومي
  • تحقيق النمو الاقتصادي المتوازن على المستوى الولائي من أجل تشجيع الإستقرارعلى دائرة الإنتاج في المناطق الريفية
  • ترقية الصادرات الزراعية (النباتية والحيوانية) بهدف حماية الاقتصاد السوداني من الانهيار نتيجة إهمال القطاع الزراعي والتشوهات في الحوافز الزراعية
  • تنمية وتطوير الموارد الطبيبعة لضمان تجددها واستدامتها.

 لكن وللأسف لم يتحقق الكثير من تلك الأهداف النبيلة للعديد من الأسباب التي صاحبت كتابة، إجازة، وتنفيذ ومن ثم القصور في تحقيق أهداف البرنامج (NAIP):

التوصيات المقدمة من ورشة تقييم أداء السودان في تنفيذ مطلوبات البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في أفريقيا (CAADP) والمنعقد بالفندق الكبير في 26 يناير 2022:

1.       ان يكون القطاع الزراعي ذو الاولوية الأولى لدي الحكومة

2.       تضمين مشاريع الخطة القادمة في الموازنة السنوية

3.       توفير الأموال اللازمة للميزانيات المُجازة

4.       يجب أن يكون البنك الزراعي هو أكبر المسئولين عن التمويل الزراعي لصغار المزارعين

5.       سن سياسات وتشريعات وقوانين جديدة لمواكبة المرحلة المقبلة

6.       تكوين لجنة التسيير للبرنامج بوزارة الزراعة والغابات الإتحادية على أن تضم جميع الجهات ذات الصلة

7.       انشاء منصة المراجعة المشتركة تحت رئاسة السيد وكيل وزارة الزراعة والغابات وربما في مجلس الوزراء

8.       ضرورة اعتماد ميزانية سنوية لهذا الجسم (منصة المراجعة المشتركة) وان تكون هذه الميزانيات السنوية ملزمة الدفع والتغذية بشكل قاطع من قبل الجهات المعنية بتوفير التمويل (وزارة الزراعة والمالية الاتحادية)

9.       وضع خطط سنوية تفصيلية يتم فيها تنسيق الجهود وتوزيع الأدوار بين جميع الجهات ذات الصلة

10.    يجب عمل لجان فنية ومتابعة لكل الوزارات المعنية والمتخصصة بتوفير المعلومات الصحيحة، وإحكام التنسيق بين الجهات المنفذة للبرنامج

11.    تقوية الصلة بين وزارة الزراعة والغابات والمزارعين وتنظيماتهم

12.    تشجيع القطاع الخاص للدخول في الصناعات التحويلية للمنتجات الزراعية

13.    ترقية وتطوير إدارات الارشاد الزراعي بالولايات للمساعدة في تنفيذ الحزم التقنية

14.    الاستعانة بالخبرة الأجنبية في مجالات اعداد وتنفيذ وتقييم المشروعات، المواءمة والمرونة مع التغيرات المناخية وادارة المخاطر

15.    اعتماد تقييم نصف المدة (Mid-Term Review [MTR]) لمعالجة القصور في تنفيذ الخطة

 

برنامج التحول الزراعي/

غالب الأسر الريفية تكسب قوت يومها من العديد من الأعمال الزراعية ومن خلال الوسائل التقليدية والمتوارثة جيلا عن جيل. لم يُعد ذلك كافيا في عالم اليوم والذي يجاهد في الحد من انتشار الجوع وتمدد الفقر وسط المجتمعات الريفية. حيث أن الإصلاحات في الزراعة التقليدية وسط تلك المجتمعات الفقيرة، قد تكون هي الطريق الأمثل نحو نمو واسع النطاق وذو عائد مجزٍ لتلك المجتمعات ولبلدانهم. التحولات الزراعية الناجحة تركز على الزراعة الحديثة ودعم فقراء الريف، وذلك من خلال توفير فرص عمل للمزارعين لكسب وزيادة مداخيلهم من خلال تحسين وسائل وطرق الزراعة، وبالنسبة للبعض الآخر سيعني ذلك زيادة الإنتاجية الزراعية أو بممارسة الزراعة المختلطة للمحاصيل الزراعية وتربية الماشية. حيث ان تلك الزيادة في مداخيل الأسر الريفية سيتم إنفاقها في الاقتصاد المحلي والقومي، مما يعزّز خلق فرص العمل وبالتالي المزيد من الطلب على المنتجات الزراعية والمنتجات الأخرى. السؤال الهام هو كيف يمكن التعجيل بذلك وزيادة النمو دون إلحاق أضرار بتلك المجتمعات، بل ومساعدتهم في الانتقال إلى نظم زراعية حديثة ومتطورة تساعدهم على زيادة منتجاتهم ومداخيلهم! لذلك يرى العديد من الخبراء وجوب وجود خطة زراعية كاملة وجيدة الإعداد كجزء من نهج التنمية الاقتصادية الشاملة للبلد.

في الواقع، بدأت العديد من الدول الصناعية في جنوب شرقي آسيا تقريبًا صعودها الاقتصادي المنظور حاليا بتحول زراعي. تشمل الأمثلة اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، وماليزيا، حيث ضاعف كل منها على الأقل قيمة قطاع الزراعة في غضون عشرين عامًا من بدء عملية التحول في القطاع الزراعي. وأيضا سارت بعض البلدان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية على نفس الدرب للتحول الزراعي. ولفهم جدوى وكيفية إنشاء وعمل وكالة التحول الزراعي. يجب توضيح بأن الفكرة تنبع من المفهوم بأن القطاع الزراعي قطاع كبير وتتداخل فيه اعمال ومساهمات العديد من المؤسسات والجهات “الوزارات، الهيئات، مؤسسات الإقراض المالي، المراكز الأكاديمية والبحثية والقطاع الخاص إلخ … إلخ”، حيث يتطلب ذلك بأن يكون التنسيق هو العامل الأهم وأن تتكامل هذه المؤسسات في إنجاز وتحقيق أهدافها. حيث أن أعمال القطاع الزراعي تزدهر حينما يتم توفير التمويل، المُدخلات الزراعية، المعلومات المتعلقة بتغيرات المناخ، معلومات عن التجارة، وتوفر وسائل الاتصال الحديثة، والطاقة إلخ … إلخ. لكن غالبا ما تعمل هذه الجهات «كجُزر معزولة» ودون تنسيق وتكامل، مما يؤدي بالضرورة من صعوبة تحقيق البرامج والأهداف.

السودان وللقرب الجغرافي من إثيوبيا، ومع بداية الفترة الانتقالية، بدأ التفكير في إنشاء وكالة للتحول الزراعي تطبق ذات النهج الذي تم استخدامه بفعالية من قبل حكومة إثيوبيا كآلية لتحفيز النمو الزراعي. وكالة التحول الزراعي الأثيوبية هي واحدة من أنواع الوكالات المركزية والتي تم تكييفها لتناسب السياق الزراعي الأثيوبي، الوكالة الأثيوبية أضافت 1.7 مليار دولار أمريكي للناتج القومي منذ العام 2013، وضاعفت الأموال المستثمرة فيها 10 مرات، وبالنظر إلى نجاحات هذا النهج، أبدت حكومة السودان اهتمامها بإمكانية تحقيق وتطبيق نموذج التحول الإثيوبي في السودان، بما في ذلك الابتكارات التي تم تطبيقها في إثيوبيا ويمكن تكييفها مع السياق الزراعي السوداني. والعمل إلى فهم المحددات الرئيسية التي تؤثر على النمو الزراعي في السودان، وتحديد فرص الاستفادة من نموذج التحول الزراعي الإثيوبي وِفقآ للواقع السوداني.

بالاستماع إلى العديد من أصحاب المصلحة، العاملين في المؤسسات العامة، القطاع الخاص، والمنظمات الدولية والحصول على آرائهم. أبرز أصحاب المصلحة العديد من القيود التي تُعيق التحول الزراعي، حيث اتضح بأن تلك القضايا في المشهد الزراعي وداخل المؤسسات الزراعية ليست فريدة من نوعها في السودان، وتشابه كثيرا تلك القضايا التي تم إنشاء وكالة التحول الزراعي لمعالجتها في إثيوبيا. وتشمل القضايا الزراعية التي تم تسليط الضوء عليها من قبل أصحاب المصلحة نقص التمويل، حيازة غير مؤكدة للأراضي الزراعية، صعوبات في الوصول إلى المدخلات الزراعية من بين أمور أخرى. بالإضافة إلى ذلك العديد من القيود المؤسسية مثل الاستراتيجيات المفككة، وعدم كفاية التخطيط على المدى المتوسط إلى الطويل والمتابعة، والصعوبات في ترجمة الخطط والاستراتيجيات إلى برامج قابلة للتنفيذ، والافتقار إلى التنسيق الفعال بين الجهات الفاعلة في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية. كما تم تحديد الفرص السانحة في القطاع، والتي يمكن استفادة العديد من الابتكارات التي تم إدخالها واختبارها بالفعل من خلال برنامج التحول الزراعي في إثيوبيا. تتضمن بعض المقترحات: الإرشاد القائم على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات و/أو أنظمة معلومات السوق كطريقة فعالة من حيث قلة التكلفة للوصول إلى زيادة حجم التسويق الزراعي، وتحقيق مكاسب كبيرة في الكفاءة في اقتصاد المدخلات الزراعية. والبناء على الإنجاز الممتاز الذي تم القيام به فعليا في السودان بشأن رسم خرائط استثمارات الثروة الحيوانية وموارد المياه الجوفية والتربة لتحقيق تأثيرات أكبر في زيادة الإنتاج والإنتاجية. تبين باكرا أن أصحاب المصلحة يدعمون الأساليب الجديدة التي يمكن أن تحفز التحول الزراعي، ويمكنها أن ترى وتفهم الفوائد المحتملة التي يمكن أن تقدمها مؤسسة شبيهة ببرنامج التحول الإثيوبي أو أي برنامج آخر يتم إنشائه في السودان.

 

عكفت الوزارات المعنية في الزراعة والغابات، الثروة الحيوانية، الري والموارد المائية، العدل ووزارة رئاسة مجلس الوزراء بالتداول حول مقترح: قانون وكالة التحول الزراعي والثروة الحيوانية للعام 2021، والمُقدم من وزارة العدل والذي تمت الموافقة عليه بعد التداول والتعديل، لتقوم وزارة العدل بتقديمه للاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء للمصادقة عليه في شهر أكتوبر 2021، ليصيح قانونآ نافذا وتبدأ الخطوات المباشرة والعملية لإنشاء وكالة التحول الزراعي والثروة الحيوانية في السودان (Sudan Agriculture and Livestock Transformation Agency [ALTA]) للحاق بالموسم الزراعي للعام 2022!!!

نخلُص على أن قيام برنامج للتحول الزراعي في السودان سيحظى بالنجاح وفقآ للتالي:

 v      هناك بالفعل إمكانات كبيرة لنموذج التحول الزراعي الإثيوبي للاستفادة منه في السودان

v      تتشابه المشكلات التي تواجه القطاع الزراعي مع ما تم إعداده لمعالجتها في إثيوبيا

v      بشكل عام، أصحاب المصلحة يدعمون مثل هذا النهج مع الإشارة إلى الحاجة إلى تأطير النموذج في السياق المؤسسي والزراعي في السودان

v      سيعتمد نجاح برنامج التحول على التأييد السياسي القوي من أعلى المستويات الحكومية

v      يجب أن تكون اتفاقية التحول الزراعي في السودان قادرة على العمل بفعالية عبر ومع الوزارات الإتحادية والولايات ومع أصحاب المصلحة، والجهات الفاعلة في القطاع الأوسع بما في ذلك القطاع الخاص.

v      تحديد العقبات الشاملة للتنمية الزراعية واقتراح حلول للاستدامة والتحول الهيكلي عبر إجراء الدراسات والبحوث

v      تحديد ومتابعة إجراءات تنفيذ الحلول المقترحة في شكل مشاريع

v      توفير الدعم وبناء القدرات للآخرين لتنفيذ الحلول التي اقترحتها الدراسات

v      القيام بأعمال الربط والتنسيق بين المؤسسات الزراعية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة والمشاريع لتأكيد فعالية أنشطة التنمية الزراعية

v      قيام نموذج وكالة للتحول مصمم خصيصاً للتعامل مع التحديات المؤسسية وتذليل العقبات بهدف الوصول إلى أقصى إمكانات القطاع.

التمويل والشراكات (Finance & Partnership)

التمويل للبنيات الأساسية/

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، طرحت الولايات المتحدة الأميركية خطة لإعادة إعمار أوروبا في العام 1949، أُطلق عليها “مشروع مارشال”، تم تنفيذه خلال أربعة أعوام وبلغت تكلفته 15 مليار دولار، لتصبح بعد ذلك تلك الدول التي أصابها الدمار في الحرب في بنياتها التحتية ومرافقها الأخرى، ما نراه الآن من دول ينعم فيها مواطنوها بكل خيرات النهوض.

واليوم وربما غدا، وحالما تنتهي هذه الحرب العبثية، سيبحث السودان عن فرص مماثلة، وعن شركاء لتمويل مشروعات البنيات التحتية  ومتطلبات النهضة المرجوة، يتطلع السودانيون بكثير من الأمل لاستثمارات ضخمة لإنعاش الاقتصاد لبلد دمرته الحروب وأقعده الحصار الاقتصادي لسنوات طالت، بطرح مشروعات تنموية والحصول على تعهدات لإعفاء الدين، حيث تراكمت ديون وفوائد الديون للسودان لسنوات ما بعد الاستقلال وحتى سقوط نظام الثلاثين من يونيو 1989، هذه الديون والفوائد تفوق الستين مليار من الدولارات (60 مليار)، ديونا لم يجن الشعب السوداني منها إلا القليل من الفائدة من طرق وكباري ومطارات وشبكات طاقة واتصالات في مجملها غير مواكبه للعصر وذات كفاءة متدنية. عضد ذلك فسادا غير مسبوقا في إجراءات الحصول على هذه القروض والمنح وجدولة ديونها لمصلحة الوطن خلال سنوات سلطة نظام الثلاثين من يونيو 1989 وسلطة ما بعد إنقلاب 25 أكتوبر 2021.

هذه الآمال ممكنة الحدوث في ظل نظام مدني ديمقراطي مُحقِقا لشعارات ثورة ديسمبر المجيدة (حرية، سلام وعدالة)! ويبدو ذلك ممكنا وفِقآ لتجاربنا مع مجتمع التنمية الدولي، فحالما أزالت الولايات المتحدة اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب في العام 2020، أحرز السودان خلال سنوات حكومة الثورة (أغسطس 2019-أكتوبر 2021) تقدما سريعا في اتجاه إلغاء جزء كبير من هذه الديون في إطار مبادرة صندوق النقد والبنك الدوليين المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (Heavily Indebted Poor Countries [HIPC]). إضافة إلى جهود وزارة الخارجية الفرنسية التي عمِلت على تنظيم مؤتمر دولي لدعم السودان في العام 2021، اشتمل المؤتمر على عدد من الجلسات للتعريف بالسودان وتقديمه من جديد إلى مجتمع التنمية الدولي. حينها قدم السودان ملفات تعريف المشاريع التي تزمع حكومة الثورة قيامها (Projects Profiles)، مشاريع للتنقيب عن النفط والغاز وبناء مستودعات للنفط والغاز بتكلفة تجاوزت 6 مليار دولار، ومشاريع لإنتاج كهرباء التوليد المائي والحراري والغاز، بالإضافة لمشروعات الطاقة النظيفة بتكلفة 1,1 مليار دولار لإنتاج MW 1,100 من الكهرباء.  و581 مليون دولار لاستخراج الذهب، و3,250 مليار دولار للزراعة، و275 مليون دولار للإنتاج الحيواني. أما البنيات التحتية فكانت كالتالي 11,800 كلم طرق سريعة، 50% منها تحتاج إلى إعادة تأهيل، السكك الحديدية 5,500 كلم 90% منها تحتاج إلى إعادة تأهيل، المطارات الدولية والمحلية 90% تحتاج إلى إعادة تأهيل، إنشاء مواني بحرية بطول 750 كلم تحتاج إلى بناء وتأهيل، فالنقل النهري 2,120 كلم. تحتاج هذه المشاريع في مُجملها إلى 11 مليار دولار، ثم الاتصالات بتكلفة 700 مليون دولار، لتبلغ تقديرات جملة كل تلك المشاريع حوالي 17 مليار دولار في العام 2021، وكان مخططا أن يكتمل قيام تلك المشاريع بين العامين (2024-2026)!!

ولتحقيق ذلك قامت وزارة العدل السودانية لحكومة الثورة (أغسطس 2019 2021) بإجازة ثلاثة قوانين مهمة تحضيراً لاندماج الاقتصاد السوداني مع العالم، أولا بدأت باعتماد النظام المالي المزدوج لسنة 2021، ففي السابق، كان النظام المالي في السودان أحادياً ويعتمد النظام الإسلامي، هذا الإصلاح سوف يمكن الشركات العالمية والمصارف الدولية من الولوج إلى السوق السودانية. أما القانون الثاني، فهو الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسنة 2021، الذي يهدف إلى مساعدة القطاعات الحكومية المختلفة في تحقيق أهدافها الإستراتيجية وتحفيز القطاع الخاص المحلي والأجنبي للدخول في شراكات مع القطاع الحكومي. والثالث هو قانون تشجيع الاستثمار لسنة 2021، ويعتبر من القوانين المهمة التي تساعد في زيادة تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة. وأوصى القانون باعتماد نظام النافذة الموحدة، موفراً تركيبة من المحفزات والضمانات للاستثمار الأجنبي، مثل ضمان المعاملة العادلة والمنصفة لجميع الاستثمارات في السودان، وقد نشرت هذه القوانين في الجريدة الرسمية في 12 مايو أي قبل أسبوع من انطلاق مؤتمر باريس 2021[4].

لكن وبالآمال المعقودة بأن تضع الحرب أوزارها في القريب العاجل وعودتنا إلى الوطن والبدء في العمل على بنائه، سنجد أن فاتورة إعادة بناء ما دمرته الحرب من الأصول المادية والبيئية يفوق ربما بعشرات المرات الديون التي تنوء بها رقابنا، حينها يصبح حتما علينا البحث عن مستثمرين واستثمارات غير مسبوقة يحتاجها الوطن “مشابهة ربما لمشروع مارشال الأمريكي لأوروبا”. وهذا يحتم علينا التوجه للمؤسسات المالية العالمية القادرة على تلبية وتوفير المبالغ المقدرة للنهضة الجبارة المرجوة، ووفقا لمفهوم “وضع مربح للجانبين win-win situation“. مثالا لذلك يمكن أن نشير إلى نموذج البناء، التشغيل والنقل (Build Operate Transfer [BOT])، وهو إطار تمويل المشاريع المستخدم عادة في مشاريع البنيات الأساسية الكبرى، والتي يتم تطويرها غالبًا من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص (Public, Private Partnerships [PPPs]). يسمح هذا النموذج للقطاع الخاص بالحصول على امتياز من القطاع العام لتمويل وتصميم وبناء وتشغيل منشأة لفترة محددة قبل نقل الملكية مرة أخرى إلى القطاع العام. أيضا هناك عدة أشكال لنموذج البناء والتشغيل والنقل: البناء والتملك والتشغيل والنقل (BOOT) وفيه يمتلك القطاع الخاص المشروع خلال فترة الامتياز، ثم البناء والتأجير والنقل (BLT)، حيث تستأجر الحكومة المشروع من القطاع الخاص خلال فترة الامتياز. بالضرورة سيكون ذلك في ظل نظام ديمقراطي مدني يطبق مبادئ وشروط الحوكمة المالية (شفافية، تقييم ومتابعة، مشاركة، ومساءلة).

هذا يعني بأن السودان موعود بنهضة كبرى حالما انتهت الحرب والبدء في تحقيق البرنامج النهضوي الفيدرالي الحُلم. تأكيدا على ذلك وفي لقاء مع سعد الكابلي – برنامج تنوير – باليوتيوب أشار الدكتور إبراهيم البدوي – وزير المالية والتخطيط الاقتصادي لحكومة الثورة الأولى (أغسطس 2019 – أبريل 2021)، إلى دراسة للدكتور وجدي ميرغني[5]، تحدث فيها عن خطة طموحة لتحقيق نقلة اقتصادية جبارة في السودان يكون القطاع الزراعي رأس الرمح فيها، مشيرا بأن المبالغ المرصودة للقطاع الزراعي مقدرة بمائة وثمانين مليار دولار، تدعمها ثلاثون مليار دولار للبنى التحتية. 

تمويل صغار المزارعين والرعاة/

التحول الريفي الشامل والمستدام أمر حيوي في تحقيق الأمن الغذائي، وفي القضاء على الجوع، وفي تعزيز النظم الغذائية المستدامة. صغار المزارعين والرعاة هم في الغالب مُحركي الاقتصادات الريفية، حيث نجدهم في كل خطوة من خطوات سلاسل القيمة الزراعية، من باب المزرعة حتى أطباق طعامنا.  لكن وعلى الرغم من الدور الحيوي الذي يلعبه هؤلاء، فإنهم يعانون كثيرا للوصول إلى التمويل المصمم خصيصا لتلبية احتياجاتهم المحددة. فغالبا ما يقدم صغار المقرضين، مثل مؤسسات التمويل البالغ الصغر تمويلا ضئيلا جدا، بينما يجد المقرضون التجاريون الإقراض لهذه المؤسسات في الغالب محفوفا بمخاطر كبيرة، ويقع العديد من صغار المنتجين ضحايا للاستغلال من مانحي القروض فيما يُعرف “بنظام الشيل”. التحديات التي تواجه صغار ومتوسطي المزارعين والمنتجين في السودان تتمثل في انخفاض الإنتاجية نتيجة الاعتماد على طرق الزراعة التقليدية وضعف التمويل المالي لصغار ومتوسطي المزارعين وصعوبة الوصول الى الأسواق وضعف القدرة التنافسية لصغر مساحة الحيازات الزراعية وقلة الإنتاج بالإضافة الى عدم انتظام المزارعين في الجمعيات أو الروابط التنظيمية. وتمثلت مشكلة ضعف التمويل في قصور مظلة التمويل الزراعي وعدم أهلية المستفيدين من التمويل بالإضافة إلى قلة التمويل الممنوح، بالإضافة إلى المخاطر التي تتعرص لها عملية منح التمويل.

تجنب وتقليل المخاطر المالية لأصحاب الحيازات الصغيرة يتطلب اتباع استراتيجيات متعددة لضمان الاستدامة المالية، حيث أن تمويل أصحاب الحيازات الصغيرة في الزراعة يعد أمرًا حيويًا لدعم التنمية الريفية وتحقيق الأمن الغذائي. ولتحقيق ذلك لابد للدولة والباحثين والمتخصصين من العمل بجهد ومثابرة لإحداث اختراق في العُرف السائد، والتفكير خارج الصندوق، لأن صغار المنتجين يقعون دائما بين سندان المقرضين “فيهم مرابون” وبأيدي الدولة المقيدة بالروتين والجمود والأفكار الأحادية (The state’s hands are tied by routine and singleminded thoughts).

هناك عدة مبادرات وبرامج تهدف إلى توفير التمويل اللازم لهؤلاء المنتجين:

–       تنويع المحاصيل حيث يساعد تنويع المحاصيل في تقليل الاعتماد على محصول واحد، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسعار أو الكوارث الطبيعية.

–       الانضمام إلى الجمعيات التعاونية، يمكن أن تساعد الجمعيات التعاونية في توفير الدعم المالي والتقني، بالإضافة إلى تحسين القدرة على التفاوض مع المشترين والموردين، وفي الحماية المتبادلة للمنتجين.

–       التأمين الزراعي يمكن أن يوفر التأمين الزراعي حماية ضد الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو الأمراض.

–       نظام الزراعة التعاقدية حيث يلتزم المزارع بصورة تعاقدية بتوريد كمية ونوع معين من المحصول لجهة ما، ويوافق المشتري “شركة غالبا” مقدما على دفع سعر معين للمزارع يخصم من إيرادات المزارع بمجرد بيع المنتج إلى المشتري، وتعرف الزراعة التعاقدية على أنها اتفاق بين المزارعين من جهة ومؤسسات أو شركات زراعية من جهة أخرى على إنتاج وتوريد المنتجات الزراعية بموجب اتفاقات مسبقة بين الجهتين، وغالبا يكون ذلك على أساس أسعار محددة سلفا!

–       وعن طريق تخفيف مخاطر التمويل لصغار المزارعين، يتلخص ذلك في الحد من المخاطر المالية التي يواجهها صغار المزارعين، مما يسهل عليهم الوصول إلى القروض والاستثمارات. ومن الأمثلة على ذلك صندوق (IDH Farmfit)[6]، وهو صندوق تمويل مختلط لتخفيف المخاطر بقيمة 100 مليون يورو. ويتولى هذا الصندوق أعلى المواقف خطورة في المعاملات المتعلقة بالمزارعين، وبالتالي يقلل من المخاطر التي يتعرض لها المقترضون والمقرضون. ومن خلال القيام بذلك، فإنه يحفز رأس المال التجاري على الاستثمار المشترك في هذا القطاع، مما يسمح لتجار السلع الزراعية والشركات الزراعية الصغيرة والمتوسطة الحجم والمؤسسات المالية بتوسيع الخدمات التي يقدمونها لصغار المزارعين.

 ……………………………………………إنتهى………………………………………

 المراجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع/

 [1] SDGs 2015, CAADP 2015, Paris Agreement on Environment 2015

[2] International Association for Impact Assessment About IAIA

[3] Ibid 2012

[4] قانون التعديلات المتنوعة إعتماد النظام المالي المزدوج لسنة 2021، قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لسنة 2021، قانون تشجيع الاستثمار لسنة 2021

[5] د ابراهيم البدوي في لقاء لايف – YouTube

[6] Farmfit Fund – IDH – the Sustainable Trade Initiative

 

مواضيع متعلقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

التخطي إلى شريط الأدوات