لله وللتاريخ،
شهادة مستنفر سابق
(1)
إسمي مجدي محمد مصطفى ماكن، تخرجت من كلية القانون جامعة النيلين في العام 2001
نشأت و ترعرعت في مدينة الفاشر حي القبة، والدي عليه رحمه الله ، هو الأستاذ محمد مصطفى ماكن يوسف، معلم، عاش مغتربا يعمل بالتدريس في اليمن، منذ العام 72 حتي العام 92 ..والدتي أطال الله عمرها ، هي ليلي عبدالنور عبد الخير علي دينار، حفيدة السلطان على دينار عليه رحمه الله.
كل من عاش في الفاشر أو مر بها، لابد انه يعرف من هو عبدالنور عبد الخير على دينار.
نشأت في بيئة محافظه ، مثل غيري من الصبية ذهبت إلى المسيد في سن مبكر ثم المدرسة. عشت في مجتمع متنوع، مترابط، لم نكن نعرف ما هي قبائلنا، في حي القبة واغلب إحياء مدينة الفاشر، تجد كل قبائل دارفور، بل كل قبائل السودان.
كان كل رجل في الحي هو أبوك، و كل إمرأة في الحي هي أمك. وكل بيت في الحي هو بيتكم.
رغم ان بيتنا كان مزاراً للناس من المدينة وزوارها لم أكن اهتم بزيارة الإسلاميين.
فنحن مسلمون ببالفطرة، وما شايف في زول ممكن يعلمنا شيء في الإسلام أكثر أو أفضل مما تعلمناه على يد فكي محمد “سيدنا” الله يرحمه.
فقد رأيت أغلب قادة الكيزان في صالون بيتنا، مجذوب الخليفة، على عثمان، نافع علي نافع، وغيرهم من كيزان الخرطوم. إلا ان معرفتي الشخصية بالكيزان عن قرب بدأت في منصف العام 95 , كنت حينها في ال 17 من العمر، في ذلك الوقت، بدأت في الفاشر حمله إعلان الجهاد ضد الغزو اليوغندي في جنوب السودان السابق، حسب ما كان يروج ويقال.
(2)
الحملة التي عُرِفتْ حينها بحملة الأمطار الغزيرة /
أعلنت الحكومة الاستنفار العام أو “الجهاد”، تماما كما هو الحال الان، الآن يتحدثون عن استنفار، و يذكرون الجهاد على حياء، أما في 1995، كان يذكر الجهاد اولا ثم الاستنفار.
في 95 كانت الدعاية الحربية و الدعوة للجهاد في كل مكان، في التلفاز ، الراديو، عبر مكبرات الصوت في السيارات التي تجوب شوارع المدينة ليل نهار، خطب المساجد, ندوات، طابور الصباح في المدارس.
كنا ننام و نصحو على صوت طبول الحرب، و ضرورة ان نشارك في حماية الدين و الأرض و العرض, و لوقف الغزو الخارجي ، الذي يستهدف تحويل السودانيين إلى مسيحيين و يهود بقوة السلاح، كان لدي صديقين “أ” و “م” من أبناء الحي، من الكيزان، كانا ضمن الشباب الذين يجوبون الشوارع بالسيارات و مكبرات الصوت، يحرضون الناس على الذهاب إلى الجهاد،
ثم حضرت ندوة حاشده، أقيمت في ميدان النقل الميكانيكي ، قريب من القيادة الغربية ” قيادة الفرقة السادسة مشاة، التي لا تبعد عن مكان سكني كثيرا، تحدث في الندوة الدكتور أحمد على الإمام، الذي جاء خصيصا من الخرطوم لدعوة أهل “دارفور اللوح” إلى الجهاد. كان حديثه كله عن فضل الشهادة في سبيل الله، وما سيناله الشهيد يوم الحساب. لم يتحدث كثيرا عن الغزو اليوغندي، أسبابه و مسبباته لكنه تحدث عن استهداف السودان، و تحدث عن استهداف دين السودانيين.
تحدث بإسهاب عن الشهادة و فضل الشهادة و أجر الشهيد …
لقد عرض الأمر بطريقة مسرحية ، مع كثير من التوابل الإعلانية و النفسية، إستهوتني الشهادة، خصوصا فكرة انك ستدخل معاك 72 شخص من أهلك الجنه بدون حساب، وكيف ان يوم القيامة سيقف الشهداء على “المسرح” جوار عرش الرحمن، و يقف أمامهم كل البشر من لدن آدم، ثم يطلب الله من كل شهيد ان يختار ال 2، الذين سيدخلون معه الجنه بدون حساب
و كيف أن معارفك سيصرخون باسمك يا فلان انا ، انا ، انا ، و انت تعاين و تتخير، الدكتور أحمد على الإمام لو لم يكن كوز، لكان مسرحيا و مخرجا من طراز فريد.
لم أقتنع وحدي فقط، لقد كنا حوالي 8000 شخص من مختلف الأعمار و الخلفيات، انضموا للاستنفار و التعبئة ذلك الوقت من مدينة الفاشر.
لقد اقنعني حينها ان الشهادة بالنسبة لي كشاب هي أفضل خيار، بدل جكه الدنيا الطويلة و عذاباتها، و ذكر انه مهما تعيش و تنجح في حياتك العلمية و المهنية، لن تستطيع خدمة 72 شخص من أهلك او مساعدتهم ناهيك عن ان تدخلهم الجنة. كلام فيه منطق ، لكن اذا كان هناك شهادة فعلا… هنا هو Trick الذي يلعب به الكوز ..
قررت حينها ان الشهادة امر يناسبني، وانه علي الذهاب إلى الجهاد، داير الشهادة، تماما كما قرر الالاف الذهاب الي دحر الغزاة.
تحمس صديقاي أولاد حلتي الكيزان، قدماني للدكتور خليل إبراهيم الذي كنت اعرفه مسبقا، كان هو أمير المجاهدين و المستنفرين، رحب بي و أشاد بقراري، فقرر صديقاي هم أيضا الذهاب معي.
لم يستغرق الأمر سوي أقل من أسبوع حتى بدأ تفويج الناس، كنا عدد كبير جدا، تجاوز ال 8 آلاف شخص كما اسلفت، لكن قبل مغادرتنا تراجع صديقاي عن الذهاب، وحاولا ان يقنعاني مرارا و تكرارا بتغيير رأيي أيضا، قالوا خلينا نمشي السنة الجاية !لكني كنت قد حزمت أمري، انا اريد الشهادة. السنة الجاية بعيييدة يا زول، تاني سنه و انا بالحسار اتألم ..تخلف صديقاي الكوزين، فغادرت وحدي، ضمن مجموعة الفوج الأول، في الحقيقة لقد تخلف أغلب الكيزان المعروفين في الفاشر ما عدا دكتور خليل ، و عدد قليل آخر ، فكان الكيزان لا يتجاوز عددهم 50 شخص من أصل 8000 مستنفر.
أذكر أن كوز معروف، مسئول الشرطة الشعبية في الاقليم ، ركب معنا الطائرة في مطار لفاشر، قبل الإقلاع جاءت إمرأة و هي تصرخ و تصارع في عساكر الشرطة العسكرية تريد الوصول الى الطائرة، كانت تصرخ باسمه يا فلان يا فلان ما تمشي، ما عافية ليك كان مشيت،
اتضح انها زوجة ذلك المسئول، عندما لم تتمكن من عبور الشرطة العسكرية صرخت قائلة “كان راجل امشي”، عندها وقف هذا المسئول، و قال لدكتور خليل، يا أميري انا لازم أنزل أرضي عليها، مرتي دي زوله صالحة يا أميري ..تبسم دكتور خليل، طوالي نزل المنسق من الطائرة ..بعدها اغلقت أبواب الطائرة دون أن ياتي، بدأت بعض التعليقات من المستنفرين حول موقف الزوجة، واحد قال ما معقول تقول له “كان راجل قدام” الناس، فعلق رجل كبير من المستنفرين قائلا، يا عيالي ترااا المرا بتعرف راجلا، فانفجر الجميع في الضحك.
ثم اقلعت الطائرة.
(3)
إنطلقت الطائرة من مطار الفاشر بعد العصر، هي طائرة شحن عسكرية، تم تكديسنا داخلها في شكل صفوف جلوسا، هبطت بنا الطائرة في مطار الخرطوم ، من هناك تم شحننا في لواري إلى المرخيات.
في المرخيات تعلمنا فك و تركيب السلاح “كلاشنكوف” و ضرب النار ، في 3 أيام.
ثم تم شحننا مجددا في طائرة نقل عسكرية عبر مطار الخرطوم بذات الطريقه إلى جوبا.
هبطت الطائرة في مطار جوبا في جو ماطر جدا، الحركة داخل المطار مكتظه، حيث كان يحتشد كثير من الجنود، و شاحنات النقل المكدسه بالاسلحة و العتاد، أول ما لفت انتباهي في مطار جوبا هو كميه الناس الدايره ترجع الخرطوم، كان البؤس في وجوة الجنود يعكس واقع مغاير لما كنت أتوقعه، فهؤلاء الجنود واقفين على باب الجنة ، و الشهادة في متناول اليد،
حيث النعيم المقيم، وتدخل معاك 72 فرد من أحبابك دون حساب، لكن ليه الناس دي وجوها عامله كدا، ليه الاستياء و البؤس و الوجوه المكفهره دي.
وليه العميان شايل المكسر و الكل داير يرجع الخرطوم، و ليه إجراءات الرجوع إلى الخرطوم صارمة و صعبه كدا ؟!
وأنا أسترسل في سيل التساؤلات، تم نقلنا إلى مبني جامعه جوبا، كان مبني الجامعة هو المقر الرئيسي للمجاهدين، نزلنا هناك، لكن بسرعه شديدة تم شحننا في 6 شاحنات عسكرية مليئة بالذخائر و المؤن، كانت في انتظارنا، غادرت بنا الشاحنات مسرعة، رغم هبوط الأمطار بغزارة، لم نكن نعرف إلى أين نحن ذاهبون، كان الحماس عالي و كذلك الهتاف. لكن من الطريقة والسرعة التي نقلنا بها، كان واضحا اننا أمام مهمة عاجلة.
سارت بنا شاحنات الKY في طريق وعرة، لعدة ساعات، والمطر لم يتوقف و لا للحظة واحده، ثم توقفت الشاحنات فجأه وطلب منا النزول. عندما نزلت رأيت لأول مرة في حياتي جثه انسان، بل عشرات الجثث موشحه بالكاكي، منها جثث مقطعه الأوصال ومشوهة،
رأيت عشرات الجرحي، وسمعت صراح وانين وألم من كل اتجاه.
كان المشهد صادما. أذكر عندما كنت صغيرا، ماتت حبوبتي في البيت، في ذاك اليوم رحلت من بيتنا إلى بيت عمي القريب … الموت له هيبة وخوف.
لم تؤثر صدمة المنظر في حماسنا كثيرا، ولا في هتافنا، لكن منظر الغضب والبؤس في وجوة الجنود كان محيرا، وترك عندي مزيد من التساؤلات. كان الجندي يتحرك ببطء ، كان التعب ظاهرا على وجوههم، حتى ان بعضهم قد ربط سلاحه في حزام البنطلون و يجر السلاح جرا على الارض، على الطين، لانه لا يستطيع حمله، يبدو انهم تعرضوا لهجوم شرس، و أنهم هربوا و قطعوا مسافه طويلة ، نعم لقد انسحبوا من موقعهم، و قد جيء بنا لوقف تقهقر وإنسحاب الجيش، و لصد القوات المهاجمة ..
لكن ما صدمني أكثر، هو جدال و نقاش حاد بين جندي مصاب و ضابط تخين، الضابط اتهم الجندي بأنه هو من أطلق النار على نفسه، لكي يتم إخلاءه من الموقع، الجندي يصرخ ، لا و الله يا سعادتك انا ما ضربت نفسي ، انا أصبت خلال الإنسحاب ..
الضابط قال لا ، انت ضربت نفسك،
وما ح نخليك و لا ح نعالجك برضو ..
تموت بس!.
ذهبت قبل أن أعرف ماذا حدث للجندي، لكن مع الايام و الشهور عايشت كثير من حالات اليأس التي تصيب الجنود، و تدفعهم لإطلاق النار على أنفسهم، تقنع من كراعك عشان يرجعوك جوبا، ثم الخرطوم، ثم ترجع أهلك في دارفور أو كردفان، أو تبقى في الخرطوم “معاق”، تعمل ليك طبلية سجاير.
مأساة و مظلمة جنود الجيش السوداني ضد الدولة و ضد ضباطهم ، لا يمكن حسمها او حلها او إنصافهم إلا يوم القيامة، هم ليسوا جنود، هم أقرب الي الرقيق منهم إلى الجنود ظلم تقشعر له الأبدان.
سأكتب عن ذلك يوما بإذن الله.
تم تقسيمنا إلى أربع مجموعات رئيسيه، كل مجموعه قادها نقيب و ملازم، تحركنا لتشكيل ما يسمى “صندوق”، هو تشكيل مربع ، 3كلم في كل اتجاه، يتكون من عدة مئات من الجنود، بحيث يتم خلق مساحة آمنه في نصف الصندوق..أثناء حركتنا لتشكيل الصندوق كنا نصادف المنسحبين من الجنود، وجوههم تحكي مأساة عاشوها، لكن ما أدهشني هو أنه عندما كنا نصادف هؤلاء الجنود و نهتف لهم “الله اكبر”، كان الإستياء يزداد في وجوههم، و تسمع همهمات غير مرحبه، لن أنسى ذلك الجندي الذي قال لنا بعد أن هتفنا له “الله اكبر” ،
قال “أمشوا قدام يا معرصين عشان تعرفوا الله اكبر كويس” ..
مكثنا في العراء ليله كامله و نحن نرتكز فوق الحشائش، و على جذوع الأشجار، ومع الفجر بدأ الهجوم علينا، كان هجوما شرساً، كانت كثافة النيران عالية جدا، الرصاص و القذائف مثل المطر، من اتجاه الجنوب و اتجاه الشرق، تعرض عدد كبير منا للإصابة، قتل منا العشرات،
لكنا لم نتزحزح من موقعنا، وقف الهجوم عند الظهر ، حيث تم توزيع بلح و فول و “كواريك”، عشان نحفر خنادق ، و قبور للقتلى.
أسوأ شيء هو أن تحفر خندق او تكلف بحفر قبر لتدفن رفيقك المات جنبك، كانت الأرض طينية لزجه، مع غرفه الكوريك الأولي المويه تنز من الحفرة، ما يجعل الحفر اكثر صعوبة.
عشان تحفر قبر طاقتك تكون كملت، وتحسد الميت الداير تدفنه.
قضينا الثلاث أيام الأولى هناك، تحول الصندوق إلى صندوق قتالي ثابت، حيث فشلت كل المحاولات لكسرة، فقدنا المئات بين قتيل و جريح، رغم ذلك لم أصب و لا حتي بخدش، ناهيك عن الشهادة، مع اني في كثير من الأوقات أثناء المعركة ، و بسبب تساقط الناس من حولي ، و الدخان ، و رائحة الدم ، و البارود ، و الطين ، و المطر، كان بجيني إحساس أنى الوحيد الذي بقي على قيد الحياة في تلك اللحظة.
مطر و دخان و شجر كثيف، و ازيز المحذوفات و الرصاص، الذي بمر حولك من كل اتجاه، وتسمعه يمر جوار أذنك اليمنى و اليسرى عشرات المرات، بسرعه الهواء، و تحس به يلامس شعر رأسك أو يلامس الكاكي في اي جزء من جسدك، فووو فووو طاخ لب كع ، و مع ذلك ما زلت واقفا ولم أصب…
من الأشياء التي تعلمتها نظريا في المسيد ، و تيقنت بها عمليا من المعارك في ذلك المكان، هو أن الإنسان لن يصيبه إلا ما كتب الله له، حتى و ان كان في معاركة كثيفة النيران و القذائف.
لان السؤال الذي يكون في ذهنك دائما و بعد كل معركة هو، كيف مات فلان و فلان، و كيف قطع رأس فلان، أو كيف ان فلان لم تبقى منه الا قدمه داخل البوت و جزء من ساقه، بينما تناثر باقي جسده في الخيران، و تعلق جزء من جسده في أعلى الشجرة، و و و
كيف حدث كل هذا وانت سليم .؟!
لا تجد اي تفسير … سوى القدر
عرفنا لاحقا أننا في الميل 69 شارع نملي،
تم تأسيس صندوق إداري يبعد عدة كيلو مترات من الصندوق القتالي في إتجاه جوبا ،
و خلفه بعدة كيلومترات أخرى تأسس صندوق المؤخرة..تم نشر 8000 مجاهد جميعنا من دارفور، بقيادة الدكتور خليل إبراهيم، و بعض معاونيه ، جمالي حسن جلال الدين، عبد الحليم ادم صبي، و آخرين، مع عدد من ضباط الجيش بمختلف الرتب ..
كانت الحركة الشعبية مصممة على دخول جوبا لذا كنا نتعرض لهجوم دائم، يومي، بالإضافة إلى التدوين المستمر، صباح و مساء بواسطة مدافع الهاون و ال 106. في كل هجوم يتساقط منا العشرات بين قتيل و جريح، بعد أسبوع و حين إكتمال نشر كل القوات المستنفرة من دارفور وجدت صديقاي، أولاد حلتي، فقد قررا مجددا القدوم، فرحت بقدومهم و تعانقنا و فرحنا، و انضما إلى مجموعتنا في الواجهة الجنوبية للصندوق القتالي.
هناك عند الواجهة الجنوبية للصندوق القتالي في الميل 69 شارع نملي، بدأت تتشكل أولى أسباب بغضي للأسلامين، و هي الإنتهازية كما أسلفت نحن في الواجهة الجنوبية للصندوق القتالي، و هي واجهة المواجهة الرئيسية، هي و الجهة الشرقية، كان بعد كل هجوم، و قبل حتى ان نلملم جراحنا أو ندفن قتلانا، تأتي مجموعات ترتدي نفس زينا، من سحنات معينة، في سيارات لاندكروزر، كان يبدو عليهم الترطيب مقارنه بحالنا من طين و بلل، ثم ينزلوا، و يقفوا حلقه من شكل نصف دائرة، و كان معهم مصور و كاميرا، ثم يبدأون بإلقاء الخطب و تهليل و تكبير، بعد التصوير مباشرة يركبوا عرباتهم ، و يذهبون إلى حيث أتوا، دون حتى أن يقولوا لنا الله يرحم زملائكم ..تكرار هذا الأمر خلق لدي حاله من الإستياء، فقد كنا نفقد أرواح كثيرة يوميا، بينما هم لا يكفون عن التصوير و الهتاف، اما الذي اغضبني اكثر هو حديثهم عن ملائكة حاربت معهم و كرامات حدثت اثناء المعركة.
ياخ المعركة دي انا واقف فيها من بدأت، و واقف في الواجهة الجنوبية للصندوق يعني قصاد مصدر الرصاص و الدانات ، حتي انه في بعض المعارك كانت دبابات القوات المهاجمة تطلع لنا من وسط الأشجار، قبل أن تتراجع مرة أخري، و لم نرى ملائكة ولا يحزنون، وانتو اصلا ما كنتو هنا، لا حضرتو البل و لا الجغم الحصل هنا، ياخ انتو منو اصلا؟!
ووكثير من الحديث بيني وبين نفسي. ثم قررت تتبع هذه المجموعة.
(4)
قررت تتبع هذه المجموعة، المجموعة التي تأتى بعد كل معركة لتصور وتحشش، وتطلق الأكاذيب، مشيت الصندوق الإداري ، يبعد عنا عده كيلو مترات في اتجاة الشمال، لكن ليس لهم اثر، مشيت صندوق المؤخرة، يبعد عن الصندوق الاداري عدة كيلو مترات في اتجاة الشمال،
برضو ليس لهم اثر .
عرفت من الشباب هناك أنهم في مخيم قريب خلف الصندوق، بالفعل وجدتهم في مخيم خلف صندوق المؤخرة، كانت مجموعة منفصله تماما عن باقي القوة، لديهم خيم، مافي مطر باليهم،
و لا راقدين جوة خنادق مليانه موية زي القعونج كما هو حالنا، كانوا كلهم من سحنه واحده،
لا يقاتلون، فقط يتجمعون بعد كل معركة للتصوير، ثم يرجعوا مخيمهم خلف المؤخرة.
حالهم بالضبط حال ناس جايين رحله Picnic.
شعرت بالاستياء و تحدثت عن هذا الأمر مع مجموعة من الزملاء، إستمر هذا الحال معارك ، موت ، تصوير حوالي شهرين، ثم تعرض أحد اصدقائي أولاد حلتي لالتهاب حاد في الرئة نتيجة الهبوط الدائم للأمطار، المطر لم بتوقف لمده اربعة ايام كاملة ، و لا حتى لدقيقه واحدة ،
بقينا زي القعونج جوة الخنادق، جسدك كله داخل الماء جوه الخندق ، عدا رأسك، تعمل مخدة من الطين تسند فيها رأسك، و انت تراقب الأشجار أمامك و تترقب، لا تعرف متى و أين و كيف سيأتيك الهجوم من وسط الغابة.
وجد صديقي صعوبة في التنفس، أسعفناه إلى الخيمة الطبية في المؤخرة،
هناك تصادف أن حدث صدام بيني و بين واحد من مجموعة التصوير و الهتاف تلك،
اصلا انا كنت مستاء منهم و من إنتهازيتهم، حيث جاء الى الخيمة الطبية و داير يخدموه قبل الآخرين، كان يتحدث بعنجهية زيادة، تصدينا له وأخد على رأسه، و ألزمناه بدورة، مع ان مسئول الخيمة الطبية اراد خدمته قبل الموجودين، فبرضو اخد على رأسه، تطور الأمر و تدخل بعض الضباط و المنسقين.
عندما عدت إلى الصندوق القتالي كنت في غاية الإستياء و بدأت أتحدث عن هذه المجموعه مع الشباب، الكل كان متضايق منهم ، و وجد حديثي إستحسان فالجميع كانوا غاضبين، فهم لا يفعلون شيء سوى الهتاف و التصوير و الخطب على جماجم الآخرين. و معاها كذب و عنجهية كمان.
اتفقنا مع عدد من الشباب انه عندما يجو المرة التانيه “نطقطقهم”.
لكن قبل ان يحدث ذلك، تم إختطافي من داخل الصندوق القتالي بواسطة الاستخبارات العسكرية، انا كنت عائد إلى خندقي بعد ان تفقدت بعض الزملاء في الجهة الغربية للصندوق.
كنت أسير وسط الأشجار الكثيفة حين داهمني أربعه من عناصر الاستخبارات، تحكموا في حركتي قبل ان أستعين بسلاحي، و تم وضعي في عربة لاندكروزر و تحركت بي صوب جوبا، و فعلا لم تتوقف العربة الا في جوبا، بعض الزملاء رأوا هذا المشهد فأخبروا دكتور خليل ، الذي بدورة تحرك فورا بعربتين لاندكروزر مع قوة ، رغم ان افراد الاستخبارات عرفوا ان هناك عربات خلفهم تطلب منهم التوقف بإطلاق البوري، لكنهم لم يتوقفوا ، كما لم تتوقف العربات التي خلفنا، تمت المطارده حتى البيت الأبيض في جوبا، عندما توقفت عربة الاستخبارات أمام البيت الأبيض، قبل أن يتم إنزالي، توقفت عربات دكتور خليل و جمالي حسن جلال الدين، مليئة بالمقاتلين، نزل دكتور خليل و توجه مباشرة إلى العربة التي كنت فيها وطلب منى ان أنزل، وقال لي تعال يا مجدي، لم يعترض أفراد الاستخبارات، نزلت و استعدت سلاحي، من فرد الاستخبارات، ثم امسك دكتور خليل يدي و أدخلني في الكروزر ، و أغلق الباب، ثم التفت إلى أفراد الاستخبارات و قال ليهم ارحكم، ثم دخل معهم البيت الأبيض.
بعد وقت وجيز جاء العميد العباس، كان وقتها قائد الاستوائية، دار حوار خافت بينه و بين دكتور خليل، ثم عاد دكتور خليل و ركب بجانبي ثم عدنا إلى الصندوق القتالي.
في طريق العودة دار نقاش بيني و بين دكتور خليل، شرحت له كيف أن هؤلاء الشباب لابدين في مخيم خلف المؤخرة، و بعد كل معركة يأتون للتصوير و سرقة مجهودات و صبر الرجال،
دون حتى ان يساهموا معنا في ستر القتلى، و لا حتي يقولوا لنا طز فيكم ، بعد دا كله معها عنجهية.
أذكر انه قال لي عليك الله يا ود ماكن أقدر لخشمك دا ..
عدت إلى خندقي و كنت في غايه الاستياء، ولكني كنت ممتن جدا للدكتور خليل، وزاد إمتناني بعد أن عرفت لاحقا ما هو البيت الأبيض الذي تم انقاذي منه ..
البيت الأبيض هو المكان الذي لم يخرج منه أحد قط على قيد الحياة.
حيث يتم قتل الجنود المتذمرين، و يتم فيه تعذيب و قتل الأسري الجنوبيين، و يتم فيه تعذيب و قتل المواطنين العاديين ، اذا ساقك حظك العاثر و تم الاشتباه فيك بتهمه الطابور الخامس.
كان يكفي خلاف صغير بينك و بين أي ضابط أو فرد استخبارات في جوبا لتدخل البيت الأبيض و لا تخرج أبدا. لذلك كان مواطني جوبا في ذلك الوقت يعيشون في خوف و رعب دائم. بعد حوالي أسبوع من ذلك الحادث، جاء العم آدم الطاهر حمدون لزيارة القوات في الصندوق القتالي، كان وقتها هو نائب الحاكم في الاستوائية، نائب اقينيس لوكودو، بعد ان غادر نائب الحاكم العم حمدون بعده ساعات، تم إستدعائي، و أبلغني دكتور خليل انه تم إختياري مع خمسه شباب آخرين للذهاب إلى جوبا و العمل على تشغيل التلفزيون المحلى، إذ كانت هناك محطة بث تلفزيوني جاهزة لكنها لا تعمل.
ذهبت انا و صديقاي أولاد حلتي الذين تم اختيارهم معي أيضا و معنا إثنان آخرين من الشباب الي جوبا، خرجت من الغابة أحمل في داخلى تجربة فيها الكثير، لكن ما لن أنساه هو منظر مجموعة من الشباب ، مثل الناجي عبدالله ، حاج ماجد سوار و آخرين و هم يهتفون و ينشدون و يدعون أن الملائكة قاتلت معهم، بينما الحقيقة أنهم لم يكونوا في المعركة أصلا.
فقد كانوا في رحلة “Picnic” بعيده جدا عن أرض المعركة ينشدون و يضحكون و يمرحون.
ذهبنا الى جوبا، هناك تشكل السبب الثاني لبغضي ما يسمي الحركة الإسلامية.
(5)
في جوبا نزلنا في بيت تم تخصيصه لنا، بيت هو جزء من بيت نائب الوالي عمنا حمدون،
كان بيت نائب الحاكم عبارة عن مجمع من أربع بيوت في شكل فلل صغيرة، يفصل بينها حديقه، كان نائب الحاكم يسكن في واحده، ونحن في أخري، بينما يسكن في الثالثة مجموعه من ضباط الأمن، اما الفيلا الرابعه فكان يستغلها ضباط الأمن الاستراتيجي، أو الاستراتيجية، أو أمن جهاز الأمن، “أمن الجهاز “. أيهم شئت.
تصادف وصولنا إلى جوبا مع حاله أمنية فريدة، إذ تمردت كتيبة المدفعية في وحول جبل الرجاف، و قاموا بالقبض على جميع ضباطهم، و حولوا أفواه مدافعهم نحو المدينة، و أطلقوا عده دانات، تصحبها إشارة بأن قائد الكتيبة حضرة الصول فلان، يطلب حضور رئيس الجمهورية القائد العام للجيش إلى مقر الكتيبة في جبل الرجاف، في مده أقصاها الساعة كذا،
اذا لم يحضر سيتم دك جوبا بالمدفعية و تسليمها لجون قرنق نظيفه. ثم أغلقوا جهاز الأتصال.
تحركت قوات، و تم وضع إرتكازات و حصلت ربكة كبيرة في المدينة، قبل الزمن المحدد ،
جاء رئيس الجمهورية، كتيبة المدفعية كانت قد امضت في مناطق العمليات 6 سنوات كاملة،
و لسه ما جابوا ليهم غياب، الغيار هو الفرد او الكتيبة التي مفترض تستلم مكانك، 6 سنوات مده تزيد عن ضعف المده التي حددها قانون القوات المسلحة و العرف العسكري، أغلب القوات في الاستوائية كانت تمضي ضعف المدة، لعدم وجود غيار.
ذهب الرئيس معه اللمبي فقط الى الرجاف، بأمر حضرة الصول قائد الكتيبة، قابل العساكر و حكوا مأساتهم، كيف أن نساء بعضهم تطلقوا بأمر محكمة للضرر، قيل أن البشير بكي، وتعهد بأنه لن يدخل بيته قبل أن يتأكد بأن الكتيبة التي تبدلهم قد غادرت إليهم، بعد ذلك بعدة شهور،
عرفت أنهم تم الغدر بهم في معسكر جبل أولياء، حيث نقلوا من جوبا إلى هناك، تمت لهم محاكمات عسكرية، أعدم جزء منهم، بينما الباقين تم توزيعهم في سجون السودان شرقه و غربة في أحكام طويله، مع الطرد من القوات المسلحة بدون حقوق.
بدأنا في تشغيل محطه التلفزيون، قمنا بتقسيم العمل و كان كل يوم يكلف إثنان منا بإعداد مادة البث من أغاني و أفلام و برامج و أخبار .
كنا شباب نعمل بتناغم دون تدخل من احد، بعد مده قصيره جاء المقدم دخري الزمان مدير الأمن في جوبا و زارنا في مبني التلفزيون أشاد بتشغيل المحطة ، و ضم إلينا أحد الأمنجية، منذ يومه الأول حاول الامنجي الذي يدعي البغدادي، التسلط و التسيد على المجموعة لكن تم حسمه فغادر. فقد كنا شباب دمنا حار و جغمنا حار.
ثم جاء من الخرطوم مقدم برنامج عالم السينما، أو سينما سينما، المذيع عمر عثمان و إنضم لمجموعتنا، كان رجل لطيف يميل إلى الفكاهة و اندمج معنا بسهولة.
قررنا في أحد الايام أن يذهب فريق منا لتصوير صلاه الجمعه في مسجد جامعة جوبا، لتكون خبر مصور ضمن الأخبار التي كنا نقرأها بالتناوب في كل ليله بث، وقد كان.
بعد عده أيام زارنا في مبني التلفزيون وفد من كنيسه كتور، أشاد الوفد بتشغيل التلفزيون،
و بمراكز المشاهدة التي تم إنشاءها في الأحياء، و طلبوا منا تصوير و نقبل صلاه الكنيسة أسوة بما فعلنا في المسجد الجمعه الماضيه ، وافقنا مباشرة، قلنا لهم نحن جاهزين و الأحد الجاي نحن معاكم ، بالفعل يوم الأحد ذهبت انا و صديقي ود حلتي “م” إلى الكنيسه ، كان صديقي يحمل الكاميرا و انا احمل دفتر لتدوين الملاحظات.
كان هناك إحتفال جميل في الكنيسة و تم استقبالنا بحفاوة، ” دا ياهوو جيك قا ونسوا في تلفزيون ” ، أي دا ياهو ذاتو ..ياخ كم اعشق عربي جوبا.
سار كل شيء بسلاسة ، إنهمك صديقي في تصوير القداس بينما وقفت أنا أدون بعض مشاهداتي، عندنا انتهى القداس طلب القس “أبونا” من الحضور رفع أيديهم بالدعاء لربنا عشان يجيب سلام في السودان ..
وجدت نفسي أضع الدفتر من يدي على الطاولة، و رفعت يدي مع الحضور و دعوت الله بأن يجيب سلام في السودان. إنتهت الصلاة ، ودعنا الحضور ، و كنت في غاية السعادة، أعجبني الكورال في الكنيسة، النغم الإيقاع، الحركة فقد كانت المرة الأولى التي أسمع و أشاهد كورال وكنيسة.
عدنا إلى مبني التلفزيون و قام الفريق الذي عليه إعداد البرنامج باجراء المونتاج، تم بث لقطات من الصلوات و القداس في الأخبار، كان من ضمن اللقطات التي بثت هي لقطه أظهر فيها أنا و أنا رافع يدي بالدعاء مع المصلين.
تم استدعائي في صباح اليوم التالي إلى جامعة جوبا من قبل الإمارة ، وجدت بعض القادة الشيوخ”، أجلسوني في ما يشبه محكمة ، و تم توبيخي على تصوير و بث صلاة المسيحيين، قالوا لي أن ما قمت به عمل منافي للإسلام، و إن رفع يدي بالدعاء مع المسيحيين داخل الكنيسة هو كفر، و أنه لابد أن أتوب و أغتسل و أعلن الشهادة من جديد. وطلبوا مني ان أمشي اغتسل فورا، وأجي اتشهد من جديد أمامهم. لحظتها إنتابتني رغبة شديدة لاقول لذلك الشيخ :
“انت ……. ولا شنو”، لكني بدلا عن ذلك جريت أجزاء الكلاش ووضعت طلقه في الماسورة ووقفت وغادرت.
سمعت الأصوات خلفي تقول، لا حول ولا قوة إلا بالله، اعوذ بالله، دا ود منو دا !
كنت برفقه إثنين من زملائي فريق التلفزيون و هم أيضا غادروا معي وكنا جميعا مستائين جدا .. سبب إستيائي ليس في عنجهية الشيخ، أو تكفيري و محاولته تجريمي بشيء انا ما شايف أنه جريمة او كفر ، فقط، بل بسبب ان هذا الشيخ الذي يطلب مني ان أمشي و أغتسل و أجي اتشهد أمامه، و ادخل الإسلام من جديد هو ذات الشيخ الذي سرق و باع شحنه طائرة كاملة من زاد المجاهد، كانت الشحنة قادمة من دولة الكويت، باعها هو ومعه منسق آخر لأحد التجار الشماليين في سوق جوبا، شحنه طائرة كاملة من عصير التانك و العجوة، و عندما كشف الأمر تم التستر عليه.
انا كنت مطلع على كامل التفاصيل، وكانت تلك القضيه نقطه نقاش دائمة بيننا وبين ضباط الامن الذين يسكنون معنا في المجمع، وكان النقيب أمن عبدالله جابر إبن جزيرة توتي يقول لصديقي “أ” ضاحكا ، أحسن الظن في إخوانك، و كنا نضحك. وتحول الأمر إلى مزحه بيني وبين النقيب عبدالله جابر ، كيف يحسنوا الظن مثلا؟! يعني يعملوا نفسهم طرش وعميان مثلا، ولا نغمض عين و نفتح عين زي جركاس، كلب ناس حاج التوم في قصص عم التنقو، ونضحك.
أما نقيب الأمن الآخر موسى نهار، فكان متجهما طوال الوقت، كانت عندة مشكلة واحده فقط هي، منو اللبس سفنجتي ، كان جنو و جن زول يلبس سفنجته، انا كنت اتعمد البس سفنجته وأخلى كل فردة في مكان، لكن للأمانه أشعر بالذنب تجاه موسى نهار، لاني كنت اتعمد أن اغيظه، هو زول كويس، و صفقنا له لما طقطق زميله النقيب وليد بالبونيات، أذكر ان المشكلة بدأت عندما جاء رجل دينكاوي شجاع إلى المجمع يشتكي بأن هناك ضابط اشترى منه عربه لاندروفر، و لم يدفع له القروش، و انه تم شحن العربية إلى الشمال ، و ان هذا النقيب يماطل في السداد، و في آخر مرة قابله و طلب منه قروشه أمر باعتقاله ، و تعرض للتعذيب في مكاتب الأمن، وشوفنا آثار التعذيب . الزول داك راجل فارس بجد، لو ما كنت فارس وشجاع ما كان بقدر يخش مع عسكري أمن في خلاف خليك من نقيب أمن، وعمك دا عارف ان الموضوع دا ممكن يوديه البيت الأبيض عادي، لكنه بكل شجاعة جاء لغايه مكان سكن النقيب و قال داير حقه. حينها كان المقدم دخري الزمان مدير الأمن مشى الخرطوم، كان موسى نهار هو قائد المحطة باعتبارة أقدم نقيب، عمنا الدينكاوي الشجاع دا لما جاء في المجمع ، الحراس حاولوا يخارجوهو، لكن صادف اننا سمعنا جزء من قصتو فقلنا ليه تعال، و فعلا جاء حكي لينا القصة بوضوح و ثبات و شجاعه و قال هو داير حقو بس، وعدناه خير ، إتضح أن ذلك الضابط هو النقيب أمن وليد، ابن حجر العسل ، الذي يسكن معنا في المجمع، عندها قمنا بتحريض موسى نهار ، كيف تقبل بكلام زي دا و و و، انت مدير الامن اسي و لازم تطلع للزول دا قروشوا،
المهم دوشناه دوشه شديده و لما جاء وليد دخل مع موسى في نقاش حول الأمر ، و تطور إلى اشتباك بالأيدي و البونية. كنا متكيفين من موسى نهار، دقش وليد كم بونية وكم شلوت لما داير يخش تحت السرير، فعلا حصل عمنا الدينكاوي الشجاع على حقه كاملا، بعدها تم استدعاء النقيب وليد والنقيب موسى نهار إلى الخرطوم، من هناك كل واحد منهم ودوه بلد، ولم يعد اي منهم إلى جوبا .
نعود لذلك الشيخ الذي طلب أن اغتسل وأعود إلى الإسلام بعد كفر . انا كنت مستغرب ومستاء من قوة عينه وبجاحه هذا الشيخ المنافق. فساد مؤسسة الدفاع الشعبي، و إثراء المنسقين مثل بانقا و المفتي، ومحمد صالح ، وبدرالدين وخلافهم، يحتاج إلى كتب ومجلدات. وكنت آمل لو أن لجنه إزالة التمكين فتحت هذا الملف. فجميعهم يمتلكون الآن شركات بملايين الدولارات بعد أن كانوا مجرد ناس عاديين، جاءوا من أسر فقيرة ، أو كانوا سماسرة في الملجة مثل ذلك المنسق الذي تحول من سمسار في سوق الخضار والفواكه ، السوق المركزي، الى واحد من اباطرة الإنشاءات ويحصل على عطاءات حكومية بملايين الدولارات، علما ان جميعهم تقلدوا تلك المواقع بالواسطة و القرابة، ومافي زول منهم دخل معركة واحدة في الجهاد المزعوم دا ، بل لم يغادروا مدينة جوبا سنتيمتر واحد.
تمت صناعه طبقة من الكذابين ، تحولت فيما بعد إلى أمير الدبابين و أمير الإستنفار، و منسقين و بطولات وهمية ، و كله على قول مالك عقار “كددددب”. تطور ذلك الخلاف مع الإمارة،
وتدخل العم حمدون، تصادف حضور دكتور خليل من الصندوق القتالي، وعرف بالامر ، طلب مشاهدة الفيديو، قمنا بنقل تلفزيون وجهاز فيديو إلى الجامعه وتمت مشاهدة الفيديو بواسطة دكتور خليل وآخرين، عند انتهاء الفيديو غضب دكتور خليل وثار في وجه هؤلاء الشيوخ وقال لهم: الغلط وين هنا ؟!، ما اراه هو زول رفع يده، وخاطب ربه في سره، انتو في واحد فيكم عارف الزول دا قال شنو في قلبه؟ ياخ ما تعملوا لينا هوس، وتطرف، وكلام فارغ،
ياخ الإنسان لو دخل الأدبخانه بقول اللهم أني اعوذ بك من الخبث والخبائث، وطالما الإنسان ممكن يقول دعاء في الأدبخانه، دا معناه ممكن يقول دعاء في اي مكان. ثم ليه المسلم ما يخش كنيسه، او يحضر قداس أو صلاه هناك، وليه ما يدعو ربنا من جوة الكنيسة؟! صمت الشيوخ صمت القبور. الشيء العجيب الذي لاحظته، اغلب الكيزان بشوفوا اميرهم شايت وين وتلقاهم تلقائيا كلهم هناك، مع ان درجه الأمير دي بحصلوا عليها كيف؟! ، ووالمعاييرشنو، الله أعلم.
دكتور خليل كان زول لديه شخصيه آسره وحازمة، و ذهن منفتح. كان الجميع يخشاه شيوخ، منسقين وغيره، بما في ذلك ضباط الجيش والاستخبارات. للأمانه والتاريخ هو رجل شجاع وفارس، ومقاتل لا يخشى الموت. كان معنا في الصندوق القتالي الجهة الجنوبية، يكذب من يقول أنه شاف دكتور خليل في يوم من الأيام منبطح على الارض أو استخدم الساتر …
دائما كان متوكل و واقف بشجاعه نادره وملهمه. عليه رحمه الله.
ذلك الحادث خلق عداء بيننا وبين مجموعة من الشيوخ والنافذين في إمارة جامعة جوبا ..
كانوا شلليات، ومجموعات مصالح. جزء تخصصوا في سرقه وبيع زاد المجاهد، الشعب السوداني بلع الطعم، زاد المجاهد كان يأتي من كل بيت من كل مكان في السودان،
يأتى حتى من أفقر قرية في السودان. كان يتم إخراج زاد مجاهد من مؤسسات الدولة،
وحتى من خارج السودان ، كان ياتي، أذكر ان شعوب الخليج العربي تفاعلت مع الجهاد في السودان، و تبرعوا تبرعات خيالية، لا يمر يوم دون أن تهبط طائرة “عزة” في مطار جوبا تحمل زاد مجاهد جاي من السعودية، أو قطر او الإمارات او الكويت او سلطنة عمان، شركة عزة للنقل الجوي كان مديرها هو جبريل إبراهيم محمد، شقيق دكتور خليل.
كانت الشركة متخصصة في نقل الذخائر الإيرانية عبر مطار دمشق إلى جوبا، بالإضافة الى نقل زاد المجاهد من كل العواصم العربية إلى جوبا. كانت طائرات عزة تذهب من الخرطوم إلى دمشق محملة ب المنقة والصمغ، وتعود من هناك محملة بالذخائر والدانات والصواريخ الإيرانية.
كان يمكن ان تجد ويكة زاد مجاهد جاية من روكرو في قلب جبل مرة، وتجد في نفس الوقت عجوة وبسكويت وعصائر من أفخر الأنواع جاية من الخليج. كان ذلك يذهب اغلبة إلى السوق ثم إلى جيوب الشيوخ وضباط الأمن والاستخبارات، بينما يذهب جزء إلى ميز الضباط وميز المنسقين وكبار الشيوخ. اكل الضباط والشيوخ والمنسقين ما عندو اي علاقة ما ياكله الناس في الخنادق.
طوال مده وجودي في الميل 69 لم أر زاد مجاهد، كنا ناكل عصيدة الكوجه بالعدس او بالفاصوليا، موية + ملح + فاصوليا. لقد كنت أجد صعوبه في ذلك الأكل، وعانيت معاناة كبيرة ، ولكن لم يكن هناك اي بدائل، كان عندما يكون على الدور في الوقوف في الصف لاحصل على صحن المجموعة من عصيدة و ملاح الفاصوليا السليقة، احس و أشعر بمعنى الآيه الكريمة، كأنهم يساقون إلى الموت و هم ينظرون. كنت اقول ذلك لاصدقائي، انا بكره الوقوف في صف الكوجه دا لاني بحس اني ماشي للموت، كانوا يضحكون و يتهموني باني احاول التهرب من الوقوف في الصف، صديقي “أ” كان يضحك و يقول لي طيب ليه لما تقعد للأكل ما بتتذكر الايه دي ، لأنك بتلهط لهط جد وما باين عليك ما عندك نفس هههه ، كانت أيام!
كذلك هناك مجموعة تخصصت في تجارة خشب التيك، و هؤلاء كانوا يستغلون شاحنات الجيش لنقل كتل الخشب من لانيا و المناطق القريبه الى جوبا، لتنقل عبر النقل النهري إلى الشمال.
كانوا يتفننون في خلق الأعذار و الأسباب لتحريك العربات العسكرية، و في الغالب ينتهي الأمر بشاحنات الجيش مسيحه مكنه بسبب الحمولة الكبيرة ..
كان هناك تحالف بين الضباط و هؤلاء الشيوخ في تجارة الخشب، و كان يتم استخدام و استغلال القرويين لقطع الأشجار بمقابل زهيد او بالمجان، نظام “السخرة” تحت تهديد السلاح.
كما حدث في لانيا، حيث كان النقيب المسئول عن الوحده العسكرية هناك يفرض على الرجال و النساء قطع أشجار التيك و جمع “البافرا” دون مقابل و ويل لك إذا لم تفعل.
كان تحالف يسمى “تخشبوا فإن الاستوائية لا تدوم”. عندما تم تغيير العميد العباس قائد الاستوائية باللواء شقف، اول قرار أصدره شقف كان بمنع استعمال عربات الجيش في نقل الأخشاب و كتل الأشجار، أذكر انه جمع مجموعة من السواقين في الورشة الرئيسية و اداهم أوامر بمخالفة الاومر بنقل اي خشب أو أشجار ، حتى لو كان عود مطرق صغير
مهما كانت رتبه من أصدر الأوامر ، حتى و لو كان قائد ثاني، أسبوعين ثلاثه أربعة ، أصبح شقف ذات نفسه بجي الميناء بشوف هل تم رفع الكتل حقتو ولا لا ..
شقف لا يستطيع الوقوف أمام مافيا الخشب ، هي أكبر بكثير من لواء جيش “مهمش”
بعد ذلك بوقت قصير رأيت أن هذا المكان لا يناسبني، قررت العودة، عدت إلى الفاشر.
ما خرجت به من جوبا هو، أن دولة العدالة التي تطبق شعار اذا سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها، هي قطع شك ليست دولة الكيزان، فهم في ذلك الوقت كانوا يتسترون على بعضهم البعض ، بل يتم ترقيه أكثرهم فساد و منحه مزيد من الصلاحيات، كنت كلما أسمع شعاراتهم أضحك ، و أبغضهم اكثر ..ولكن ما رأيته من إنتهازيتهم المنظمة ، و من فساد في جوبا كلو كوم، وما واجهته و عرفته خلال الثلاث شهور الأولى لي كطالب في كلية القانون جامعة النيلين في الخرطوم كوم تاني.
(6)
الخرطوم مدينة التناقضات/
لقد ذكرت أعلاه أني عدت إلى الفاشر، بعدها توجهت إلى الخرطوم، كانت المرة الأولي التي قصد فيها الخرطوم وحدي، جئت اليها عابرا عدة مرات مع أسرتي في طريقنا الي اليمن ، عندما كنا اطفالا، كذلك مررت بها عده مرات في طريقنا إلى القاهرة مع والدتي و اخوتي لزيارة جدتنا والدة امي ، الحاجه زينب حسن حسنين المعتمداوي عليها رحمه الله، لكن هذه هي المرة الأولي التى آتي فيها قاصدا الخرطوم، بغرض الاستقرار و الدراسة، كل ما حدث في جوبا و ما رأيته و سمعته و عايشته كوم ، و ما واجهته في الخرطوم خلال الثلاث شهور الأولى. كوم تاني ما حدث في الخرطوم شيء لا يصدق الترابي كان صادقا عندما قال لا يوجد جهاد في السودان، لكن شهادته تأخرت كثيرا، انا المسكين دا عندما رجعت من الجنوب في 96، كنت عارف ان ما يحدث هناك ليس جهاد، وكنت متمني أقابل الدكتور أحمد على الإمام و اسأله، لماذا؟!
ما كان يحدث في الجنوب هو محرقة لشباب السودان من قبل مجموعة لا تأبه،
وكيف تأبه وهي لا تقدم دماء في تلك المحرقة، لا من أسرهم و لا من مناطقهم ،
أتحدى الدفاع الشعبي ان ينشر قائمة قتلاه في حرب الجنوب ومناطقهم …
و لينشر قائمة المنسقين و مديري شركاته ونجومه ستجد أن منسقي الجهاد ، ومديري شركات الدفاع الشعبي واذرعه ، ونجوم الجهاد الذين صنعتهم الكاميرا المضلله هم من مناطق معينة،
بينما قتلى الجهاد و مصابي الجهاد من مناطق مثل، دارفور و كردفان و النيل الأزرق القضارف و خلافه ، أما نهر النيل والشمالية ، هم فقط يكتفون بالتصوير و الظهور في ساحات الفداء، او بالوظائف العليا في مؤسسة الجهاد ، او هم نجوم الجهاد.
لقد تحول الأمر إلى بيزنس و تجارة و ملايين، في الوقت داك كان لسه مافي بترول،
كانت تجارة خشب التيك و ميزانيات معسكرات الإستنفار و زاد المجاهد هي المصدر الأول للفاسد في الدولة في ذلك الوقت.
لست وحدي من خرج من هناك يحمل حقيقة المشروع الانتهازي، الدكتور خليل عاد من هناك و بدأ في تشكيل حركة العدل و المساواة، ما رآه خليل و ما سمعه هناك كان كفيل بأن يجعله يتمرد على حكم المجموعة المجرمة التي تتدثر بالحركة الإسلامية، الأمر كان واضح ، فقد كانت هناك طبقة من الانتهازيين قد تشكلت و اتخذت من الدفاع الشعبي منصة لفعل كل ما لا يرضى الله .. وأخطر ما تفعله هو سفك دماء السودانيين في حروب بلا طائل سوى العنجهية والمال الحرام.
أتمنى من الذين كانوا هناك خصوصا من الذين رافقوا الدكتور خليل، أن يكتبوا تجربتهم،
فمازال مشروع سفك دماء السودانيين مستمر عبر حروب الهوس الكاذب و الاستنفارات، الشعب السوداني يستحق أن يعرف الحقيقة. مازلت صورة ذلك الشاب الصغير المستنفر ، الذي قتل في بحري قبل عدة اشهر، اخترقت رصاصه دوشكا ذراعه و فر زملائه، و ترك ينزف حتى الموت عالقه في ذهني، لقد شاركت في دفن العشرات من أمثال ذلك الشاب، ومئات اخرين من الرجال الذين دفناهم ، قد تركوا خلفهم أسر و أطفال الله يعلم ماذا حل بهم إلى الآن.
هناك العشرات من الذين كانوا هناك مازلوا على قيد الحياة/
عبد القادر محمد احمد عزالدين،
عمنا عباس شالا،
عمنا أبوبكر حامد نور،
عبدالحليم ادم صبي
و آخرين كثر كانوا مع وحول الدكتور خليل، و جميعهم سيشهدون على كل حرف في هذه الشهادة، بل إني أجزم ان شهادتي هذه لا تسوى شيء أمام ما يعرفونه هم.
اخرجوا يا ناس و قولوا شهادة لله، على الاقل يمكن أن تساهم في وقف لا مبالاة تجار الحروب هؤلاء ، أو تجعلهم على الأقل يتحملوا تكلفه حروبهم من دمائهم هم و من اهليهم، ليس من دماء الأبرياء المخدوعين.
لن أقول للبراء وناجي عبدالله أوقفوا الحرب، بل سأقول لهم حاربوا حربكم بشرف كما يحارب الرجال، و ليس عبر الاختباء خلف المغرر بهم والاكتفاء ببطولات الزيف كما كان في الميل 69 و 53 و الميل 40.
الرجال المجهولون الذين صمدوا لمده عامين يواجهون الهجوم تلو الهجوم وهم يراجعون متر بعد متر ، و في كل متر يسقط منهم العشرات، هؤلاء الرجال يستحقون ان يعرف السودانيون من هم و كيف ماتوا، و لماذا؟.
أتحدى الدفاع الشعبي يجيب فيديو لدكتور خليل في الميل 69 , او الميل 40 ,
ليس لدكتور خليل فقط ، بل اي من مرافقيه، لن تجد تسجيل لأبو بكر حامد نور، الرجل البشوش دائم الابتسامة الذي كنا نستمد منه الثبات ..لن تجد تسجيل للجمالي جلال الدين، او عبدالحليم ادم صبي في الادغال ، و هؤلاء كانوا الذراع الأيمن للدكتور خليل، ينقلون الجرحى و يزودوننا بالذخائر أثناء المعركة و يشرفون على كل صغيرة و كبيرة في الصندوق القتالي. كانوا كتله من النشاط والحيوية، لماذا لن تجد ؟!
لأن تلك المجموعة التي جاءت للتصوير لم تكن تأبه، هي لم تكن هناك لنقل الحقيقة هي كانت هناك لغرض واحد فقط وهو صناعه نجوم مزيفين. كل الأحداث اللاحقة أكدت ذلك.
معركة الإذاعة والتلفزيون قبل أسبوعين تؤكد ذلك.
انا لم أكن من جلساء دكتور خليل، فقد كنت فتى صغير السن، لكني كنت قريب منه متابع لحركته وانفعالاته وتفاعله مع احداث الصندوق القتالي اليومية.
رأيته حينما كان يجتهد لتضميد الجراح ورأيته وهو يذرف الدمع اثناء دفن جثث الشباب والرجال الذين يتساقطون مع كل هجوم …لذلك لم أستغرب عندما علمت أنه حمل السلاح ضد حكام الخرطوم لوقف هذا العبث، في الحقيقة كنت سأستغرب إذا لم يفعل.
آخر التعليقات