بسم الله الرحمن الرحيم
مذكرة حول أهمية وجود وزارة مختصة بالموارد المائية والري
دكتور/ سيف الدين حمد
بالإشارة إلى قرار السيد رئيس مجلس الوزراء بدمج وزارة الري والموارد المائية مع وزارة الزراعة، واستكمالًا للمذكرات السابقة التي تقدم بها الإخوة الخبراء والمختصون، أود أن أضيف فيما يلي بعض النقاط حول الأهمية الحيوية لاستمرار وجود وزارة مستقلة تُعنى بالموارد المائية والري.
مقدمة
- الموارد المائية في السودان موارد مشتركة مع دول الجوار؛ إذ يشترك السودان في مياه النيل مع 10 دول، وفي المياه الجوفية مع 6 دول، إضافة إلى الأودية غير النيلية مع 5دول. وتترتب على ذلك أعباء ومسؤوليات وتحديات تتطلب إدارة مختصة ذأت كفاءة مهنية عالية ومبنية على أسس علمية ومؤسسية.
- تواجه الموارد المائية تحديات متزايدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، تشمل جوانب فنية، طبيعية، أمنية، اقتصادية، قانونية، مؤسسية، بشرية، سياسية وجيوسياسية. وتشهد المنطقة نزاعات مائية قائمة ومتوقعة بين الدول المجاورة وكذلك بين الولايات داخليًا.
- المياه ليست قطاعًا مستقلًا، بل هي رابط استراتيجي بين مختلف القطاعات، حسب التعريف الدولي (أسبوع المياه العالمي، إستوكهولم، 2013 (Water is not a sector, it is a connector). ومن هنا تنبع أهمية التنسيق المستمر بين جميع القطاعات ذات العلاقة مثل: الأمن القومي، الخارجية، العدل، الإعلام، الأرصاد والمناخ والقطاعات التي تقوم بخدمتها وزارة الموارد المائية والري مثل: الزراعة، الطاقة الكهرومائية، الثروة الحيوانية والسمكية، الصناعة، الاستثمار، البيئة، البترول، التعدين، الشؤون الاجتماعية، الصحة، النقل النهري، الحكم الاتحادي، والولايات.
- تحتاج السياسات والإستراتيجيات والخطط الكلية والجزئية في قطاع الموارد المائية إلى تحديث وتنسيق مستمر، بما يحقق إدارة متكاملة للمياه.
- تشريعات الموارد المائية تتطلب متابعة دورية للتنفيذ، مع تحديثات ضرورية لضبط استخدام وتطوير هذه الموارد وفق المعايير الوطنية والإقليمية والدولية.
- تعاني إدارة واستخدام الموارد المائية في السودان – خاصة في القطاع الزراعي – من ضعف في الكفاءة، مما يؤدي إلى هدر الموارد المائية والطبيعية والمالية.
- تشهد البلاد ارتفاعًا مقلقًا في معدلات التلوث والاستغلال غير الرشيد للموارد المائية، خاصة في المياه الجوفية وقطاعي التعدين والبترول. مثال ذلك: المياه العذبة المستخرجة من حوض البقارة الجوفي مع البترول (في المربعات 1 و2 و4) تمثل ما بين 30% إلى 70% من الكمية المستخرجة، ما يؤدي إلى انخفاض مناسيب المياه الجوفية وتلوثها. علمًا أن هذا الحوض يغطي ولايات شمال، جنوب، وغرب كردفان، وجنوب دارفور، وهو مشترك مع جنوب السودان وأفريقيا الوسطى.
- تعاني البلاد من ضعف البحث العلمي في مجال الموارد المائية ويعد ذلك دون الطموح بالنظر لحجم وتعقيد التحديات المائية التي تواجه السودان مقارنة بدول الإقليم، حيث تمتلك إثيوبيا جامعة مختصة في المياه ومركز بحوث موارد مائية متقدم، بينما توجد في مصر 13 معهدًا مختصًا في بحوث المياه.
- هنالك حاجة ماسة لإعداد وتدريب كادر مختص عالي الكفاءة في مجالات الموارد المائية، لا سيما في المياه العابرة للحدود، التفاوض وفض النزاعات، العلوم السياسية، المخابرات المائية، الدبلوماسية، القانون الدولي للمياه، والتشريعات الوطنية ذات الصلة.
- تستدعي المرحلة الحالية تعزيز التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالمياه، مثل: هيئة السدود الكبرى العالمية، هيئة الري والصرف العالمية، منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، منظمة الصحة العالمية، اليونسكو، ومنظمة الأرصاد العالمية.
- من الضروري تطوير المؤسسات الوطنية العاملة في مجال الموارد المائية الدولية، بما يضمن الإشراف الكامل على الاتفاقيات والخطط الخاصة بالموارد المشتركة مع دول الجوار والمنظمات الإقليمية مثل (حوض النيل، إيقاد، أمكاو، الجامعة العربية) ومع الجهات الأخرى ذأت الصلة .
مبررات وجود وزارة مستقلة
استنادًا إلى ما سبق، يتضح أن وجود وزارة مستقلة تُعنى بالموارد المائية والري أمر استراتيجي لا غنى عنه، فمن غير المنطقي أن تتولى وزارة الزراعة – التي هي نفسها مستفيدة من خدمات الموارد المائية – هذه المهام نيابةً عن بقية القطاعات الوطنية التي تم ذكرها. ويجدر التذكير أن تجارب الدمج السابقة بين الوزارتين أثبتت فشلها عمليًا كما أوضحه الخبراء والمختصون في مذكراتهم السابقة ولا داعي لذكرها منعاً للتكرار.
أولًا: الهدف الاستراتيجي الكلي
تأمين المصالح الوطنية العليا، وتحقيق الأمن المائي والأمن القومي للسودان، من خلال تعظيم الاستفادة من الموارد المائية المحلية والمشتركة مع دول الجوار (مياه النيل والمياه السطحية الأخرى والمياه الجوفية)، باعتبارها الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني في الحاضر والمستقبل.
ثانيًا: الوسائل الأساسية
- التكامل والتنسيق في تخطيط وتنمية وإدارة الموارد المائية بغرض تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المائية بأنواعها المختلفة: مياه النيل، المياه السطحية من الأنهار والوديان، والمياه الجوفية.
- إعداد وتأهيل كوادر مختصة في المجالات الهندسية شاملة البيئة والمناخ، والمجالات القانونية، الدبلوماسية، الأمنية، السياسية، الإعلامية وغيرها، لضمان المحافظة على الحقوق والمصالح الوطنية في هذا الملف الحيوي.
- تلبية كافة الاحتياجات المائية للدولة (زراعة، طاقة كهرومائية، صناعة، مياه شرب وصرف صحي، استثمار، ملاحة، بيئة وخلافه)، مع تحقيق التكامل بين القطاعات المرتبطة بالمياه، والمساهمة في إعداد السياسات والخطط الوطنية للوصول إلى إدارة متكاملة ومستدامة للموارد المائية.
- استثمار الميزات النسبية التي يتمتع بها السودان (مساحات الأراضي، وفرة المياه، الموقع الجغرافي الاستراتيجي) لمواجهة تحديات المستقبل، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتقليل النزاعات، وحماية المصالح الوطنية.
خاتمة
إن وزارة الموارد المائية والري تمثل المؤشر الأهم لقياس أداء واستقرار الدولة، فبنجاحها واستقرار إدارتها ينهض السودان، وبتراجعها تتفاقم الأزمات. وعليه، فإن بقاء الوزارة كجهة مستقلة ومختصة ضرورة وطنية حتمية لا يمكن التفريط فيها.
مع فائق الاحترام والتقدير.
______________________________________________________________.
(*) م م سيف الدين حمد عبد الله (CE, PE, MEng, DIP, MSc, PhD)
(عمل أكثر من 40 عاماً بالوزارة، تنقل خلالها في عدة وحدات وإدارات، وعمل وزيراً سابقاً للموارد المائية)
22 يونيو 2025



آخر التعليقات