واقع الحق في الحماية الاجتماعية بين دور الدولة وتحولات العصر (*)
الكاتبة/ عزة الحاج سليمان
أستاذة بكلية الحقوق/ الجامعة اللبنانية
مقدمة
تعيش معظم الدول العربية مرحلة مفصلية من تاريخها، ليس على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما القانوني أيضاً. تتميز هذه الحقبة بالتغيّر في عاملين أساسيين في هذه المجتمعات العربية، عن غيرها من العديد من دول العالم: فإضافةً إلى الثورة الرقمية والعولمة الاقتصادية وانعكاساتهما الاجتماعية، تشهد الدول العربية مرحلة تحول سياسي جذري، بما في ذلك انهياراً تاماً على مستوى الدولة ومؤسساتها في دول مثل لبنان وتونس والعراق والسودان واليمن وغيرها. وذلك، ناهيك عن الأزمات الأمنية في بعض الدول العربية والاقتصادية والمالية في بعضها الآخر، وطبيعة الحكم وعلاقته بالمجتمع في بعضها الثالث. إلا أن ما يجمعها كلها، ويشكل تحدياً أساسياً في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخها، يكمن في دور القانون وقدرته على حماية المجتمع. هذا التحدي يراكم على أزماتها أو دقة مرحلتها محوراً لا بد أن يُطرَح على المستوى الفكري والعلمي والمجتمعي من بابه الواسع، إذ عندما نتناول الأنظمة السياسية لا يمكننا تغييب أدوات الحكم الأساسية المتمثلة في القواعد القانونية.
لا تقتصر دراسة القوانين على مضمون النصوص الصادرة عن السلطات التشريعية وكيفية تفسيرها وتطبيقها والحقوق التي تسعى إلى حمايتها فقط، على أهميتها، وإنما تتجه بشكل أعمق نحو مصادر القاعدة القانونية وطبيعتها وآلية تفعيلها. تكتسب هذه الحيثية أهمية كبرى نظراً لكون “مُصدر القاعدة هو حاكم المجتمع” كما عبر عنه العلامة برنار تييسيه في مؤتمر قانوني عقد في مجلس الشيوخ الفرنسي في العام 2004،1 ولارتباط تطبيق القاعدة بقوة السلطة وجدارتها. وإن كان هذان الدوران المتعلقان بإصدار القاعدة القانونية وتطبيقها قد ارتبطا بالدولة ومؤسساتها الدستورية حصراً،2 في الدولة الحديثة، فإن العامل الأبرز المعاصر يرتكز على خروجهما عن صلاحياتها الحصرية على أثر النيوليبرالية.
وإن كانت مواضيع مصادر القوانين وفاعليتها غالباً ما ارتبطت بعلوم الاجتماع والسياسة والفلسفة، إلى أن حددتها مدرسة القانون الوضعي3 بأطر رسمية دستورية باستثناء العرف، إلا أن التحولات المعاصرة مع مجتمعات ما بعد الحداثة والنيوليبرالية القائمة والفردية الاجتماعية، تجعل من هذه الإشكالية محطّ بحث وعمل وتفكير على مستوى الفاعلين المختلفين في المجتمع، نظراً للتغيير الطارئ على أدوارهم من جهة وتأثير هذه التحولات على وجودهم من جهة ثانية.
وعندما نتحدث عن الفاعلين في المجتمع، فإننا نعني المواطنين والمقيمين، أفراداً وجماعاتٍ، كما هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والفاعلين الاقتصاديين ـ من شركات ومشاريع اقتصادية ـ بطبيعتها الوطنية أو متعددة الجنسيات، صغيرة وكبيرة الحجم، إضافة إلى مؤسسات الدولة كافة.
الرعاية الاجتماعية بين السياسي والمجتمعي
لا يمكننا أن نفصل إذاً التطورات في علم القانون عن التحولات السياسية والمجتمعية وتطور دور الدولة ومكوناتها وصلاحياتها، لأن القوانين هي القواعد المنبثقة عن السلطات المنتخبة – التمثيلية، وهي السلطات الحاكمة وفقاً لما تم التوافق عليه في ظل الدولة الحديثة الديمقراطية. كما وأنها قواعد ملزمة وعامة، ويرتبط تفعيلها بحصرية استخدام القوة المعطاة للسلطات الشرعية في الدولة.
كما لا يغيب عن بالنا التركيز أيضاً على مضمون القاعدة المتمثل بالحقوق المحمية والتي ارتبطت بحقوق الإنسان والمواطن. غير أن التمييز بين الأبعاد المدنية والسياسية من جهة والاجتماعية والاقتصادية من جهة ثانية، كان قد اتخذ شكلاً واضحاً في الحقبة السابقة من التاريخ الحديث، على أثر الثورات الأوروبية والأميركية، وبعد الحربين العالميتين وما نتج عنها من شرعة دولية لحقوق الإنسان. إلا أن هذه التصنيفات لم تعد تشكل ركيزة واضحة للتمييز بين الأطراف ومصالحهم في الحقبة المعاصرة.
وبما أن الأطراف والمصالح ارتبطت تقليدياً بالتمثيل السياسي في النظام الديمقراطي، كما ارتبطت بطبيعة الحقوق المكرّسة نصاً في القوانين الوضعية، فلا شكّ أن التحولات الجذرية قد أثرت على مفهوم الديمقراطية وما تشمله من أنظمة انتخابية وتمثيل عادل، مع ما تتضمنه من معايير ديمقراطية لمصادر القوانين. كما أن هذه التحولات أدت إلى تخلخل واضح في الضمانات الحامية للحقوق، نظراً للتغير الذي طرأ على طبيعتها أو على تصنيفها وعلاقتها بآلياتها وأدواتها الضامنة.4 ولعل الفئة الأكثر تأثراً من هذه الحقوق تتمثل بالحقوق الاجتماعية الرعائية، نظراً لطبيعتها غير الفردية أولاً، ونظراً لتغير الأدوار المرتبطة بالجهة الراعية المتمثلة بالدولة ثانياً، ولضعف الالتزام المفروض على الجهة الاقتصادية ثالثاً. هذا التغيير ثلاثي الأبعاد أدى إلى تضارب الحقوق الاقتصادية من جهة والاجتماعية من جهة أخرى، بعد أن كانتا ذات طبيعتين متكاملتين، عطفاً على تضارب المصالح بين المسؤولين العموميين والمصالح الاقتصادية.
أولا – في تغيّر السياقات والأدوار: مخاطر وتحديات
هذه “الطفرة” من التغيرات – إذا صحّ التعبير- أدت إلى تحولات في طبيعة الدولة وأدوارها، ما انعكس في مخاطر العودة أو “الردة” إلى انهيار الضمانات وإلى استعادة سيطرة الدولة البوليسية. فكيف نفهم ذلك في سياق الحقوق والحماية الاجتماعية؟
- الضمانات الاجتماعية وقيمتها
نشأت الضمانات الاجتماعية على أثر الثورة الصناعية وما نتج عنها من قوانين العمل والحقوق الجماعية وتأسيس نقابات.5 وارتبطت الحماية الاجتماعية بدولة الرعاية أو الدولة الراعية التي تبلورت أسسها وأدوارها مع تكريس الأنظمة الليبرالية على أثر الحرب العالمية الأولى وتكريس الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.6 فتبنت الدول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كإطار للحقوق ذات الطبيعة الجماعية، كما التزمت هذه الدول في المساهمة بدعمها اقتصادياً وحمايتها قانونياً ومؤسساتياً انطلاقاً من قدراتها وسلطاتها وسيادتها. فكان، إضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966، والذي تبلورت أبعاده الخاصة في النظام الفرنسي بشكل خاص مع ثورة 1968 الذي سعى إلى مأسسته قانوناً، ما انعكس في الأنظمة القانونية المتأثرة بالنظام الفرنسي على غرار لبنان وتونس والمغرب والجزائر.
عُرفت الدولة بناء على هذا التطور بدولة القانون والمؤسسات كمظهر متجلٍّ من مظاهر الدولة الحديثة، وارتبطت الديمقراطية بالتمثيل السياسي للأحزاب الفاعلة وكانت مبنية على الانتخابات وفقا للنظام الانتخابي المعتمد لتكريس الديمقراطية التمثيلية. شكلت هذه القيم ركيزة في نظرية القانون الوضعي وفقاً لمقاربته الأوروبية الداخلية التي تبنت نظام القانون المكتوب ذا النموذج الفرنسي. (هذا النظام المعروف بالرومانو – جيرمانيك).
تأسست الدول العربية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى ووضعت أطرها القانونية في تلك المرحلة، وحصلت على استقلالها في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتبنت التحولات العالمية الحاصلة في ذلك الوقت. إلا أنها لم تكرس في ممارستها معايير دولة القانون والمؤسسات، ولم تُبنَ الديمقراطية في الدول التي رفعت شعارها – ولبنان نموذجاً – على أساس التمثيل وما يعكسه من إصدارات قانونية ومحاسبة حقوقية في تفعيل القوانين. فكانت القوانين والأنظمة الإدارية معايير شكلية لاكتساب الشرعية الدولية بعيداً عن بناء الدولة الديمقراطية بما تعنيه من معايير مفترضة.
أما على مستوى التفاعل الاجتماعي، فشهدت دولنا حركة سياسية ونقابية فاعلة متأثرة بالأبعاد الدولية، وتم على أثرها فرض الحقوق المرتبطة بالضمانات العمالية. ففي تلك الحقبة وُضِعَت النصوص المتعلقة بقوانين العمل وضماناته وكانت التطبيقات مبنية على تكريس النظام العام الاجتماعي بما يميزه من طبيعة قانونية خاصة واستقلالية ذاتية بمصادره وفاعليه ومحاكمه الصالحة،7 وكلّ ذلك بهدف تحقيق المصلحة العليا للمجتمع. فكان للحراكات النقابية والاجتماعية الدور الأبرز في انتشال رزمة من الحقوق وإنشاء مؤسسات ضامنة لحقوق مرتبطة جذرياً بحقوق الإنسان، كالحق بالصحة والتعلّم والعيش الكريم.
- التحولات النيوليبرالية وتحدياتها
أدت التطورات السياسية والاقتصادية والتقنية التي بدأت في العقد الأخير من القرن الماضي إلى تأثيرات أساسية على الأسس التي قامت عليها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومبادئ النظام العام الاجتماعي. تتلخص الأفكار النيوليبرالية (الليبرالية الحديثة) بتقليص دور الدولة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وخصخصة الكثير من ميادين القطاع العام، أي في المرافق المرتبطة بضمان حقوق المواطنين، ما أدّى إلى طرح مفهوم جديد للدولة مبني على دور أكبر للكيانات/المنشآت الاقتصادية وتقليص وظائف الدولة في العلاقة مع المواطن. وتم حصر دور الدولة بتنظيم أو إدارة هذه العلاقات.8 وارتبطت الأدوار الموكلة إلى مؤسسات الدولة بموجب هذه الخطة بالمؤسستين الأساسيتين وهما القضاء والأمن، فأعيد النقاش في مراكز العلوم السياسية في أوروبا حول مخاطر العودة إلى الدولة البوليسية، مع فقدانها طبيعتها الراعية، بدلاً من الانتقال إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية.
أمام هذا التحول النيوليبرالي، وما نتج عنه من تبدل في الأدوار وتقليص هوامش تقديم الدولة لحقوق الإنسان وضمانها ورعايتها، تداخلت أدوار الفاعلين بين الدولة والشركات الكبرى على أثر العولمة الاقتصادية والثورة الرقمية، وتقاطعت المصالح بين أصحاب المصالح الاقتصادية من جهة والمسؤولين العموميين من جهة ثانية.9 وكان للقانون في المجتمع، وللقضاء كسلطة معنية بحسن تطبيقه في الدول القائمة على احترام قواعد الديمقراطية، الدور الأبرز في حماية مكتسبات الإنسان المقيم والمواطنين من حقوق ضامنة لكرامتهم. أما في الدول العربية، ونظراً لغياب مرحلة دولة القانون والمؤسسات، وانتفاء ثقافة القانون في المجتمع، لم تعد القوانين والقرارات الصادرة عن السلطات العامة تعكس حاجة المواطنين، بل أصبحت تعكس توازن المصالح بين النافذين، ولا تتلاءم بالضرورة مع الحقوق. تعطلت نتيجة للواقع هذا حركة تفعيل القوانين وتحقيق الأهداف المرجوة منها،10 بل انحصرت بالتفسير الحرفي للنصوص انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات. وتحولت القوانين، مع ضعف الديمقراطية وتفريغ مضمونها، إلى أداة لمصلحة فئة حاكمة، متمثلة بالسياسيين المتزاوجين مع أصحاب رؤوس الأموال، تحمي بها مصالحها الخاصة، وأصبح الشرخ واضحاً بين القوانين من جهة والحقوق من جهة ثانية.
وإذا كانت الحقوق الفردية ذات الطابع المدني والسياسي والمالي وجدت آلية لتثبيت وجودها في عالم الفردية والحريات المتطرفة، فإن الحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية – الاجتماعية واجهت عقبة أوصلتها إلى حالة الموت السريري مع الانهيارات الاقتصادية والسياسية والأزمات المتداخلة التي تشهدها الدول العربية.
لقد أصبح الفاعلون الاقتصاديون مؤثّرين في القرار السياسي والاقتصادي على وجه التحديد، وفي استثمار المرافق العامة التي كانت سابقاً حكراً على الدولة لارتباطها بخدمات ضامنة لحقوق الإنسان. هذا مع العلم أن الدولة في إدارتها لهذه المرافق لا تبغي الربح في وقت يضمن القانون للشركات حقاً تجارياً بتحقيق الربح من خلال تقديم هذه الخدمات. تحوّل المواطنون في هذه العلاقة إلى مستهلكين وتحوّلت الخدمة الضامنة للحقوق إلى سلعة. وتتركز النقاشات حالياً على دور الشركات في التنمية ومسؤوليتها الاجتماعية من جهة، وعلى حقها ليس فقط في الربح بل في تعظيم الربح، الأمر الذي يثير جدالاً ويتطلب انتباها في المقاربة والنقاش.
أصبحت القوانين هي التي تمثل الشرعية في مواجهة حقوق المواطنين والمقيمين وضماناتهم بالحياة اللائقة والكرامة الإنسانية، التي تعتبر معياراً للمشروعية.
توسعت على أثر ذلك الزبائنية وتقاطعت المصالح بين القوى الاقتصادية والأشخاص المسؤولين في إدارة الدولة. أدى هذا التحوّل إلى تغيير أيضاً في أنماط القوانين ونشأت فروع قانونية جديدة مرتبطة بقواعد المنافسة وحماية المستهلك، وتكاثرت جرائم الفساد إلى حين صدور اتفاقية مكافحة الفساد على المستوى الدولي. ولم يرتقِ النقاش القانوني الدولي لاعتبار جرائم الفساد شكلاً من أشكال الجرائم ضد الإنسانية، بل اقتصر الوصف القانوني على اعتبارها أحد عناصر جرائم تبييض الأموال، نظراً للمصادر غير المشروعة للثروات المتأتية من نهب المال العام والتهرب/الملاذ الضريبي واستغلال المراكز وإساءة استخدام السلطة.
ثانياً – ما بين الشرعية القانونية والرعاية الاجتماعية: الحلقة المفقودة
ارتبطت الشرعية تقليدياً بقواعد الديمقراطية الغربية: فالشرعية مرتكزة على القوانين الصادرة عن السلطات المنتخبة، والقانون يُعتَبَر انعكاساً للإرادة الشعبية القادرة على المحاسبة من خلال الانتخابات الدورية، بغية تحقيق مصالح المجتمع وضمان الحقوق.
فمبدأ الشرعية يفترض ألا يتعارض مع مبدأ الاستقرار والأمن الاجتماعيين، لأن الشرعية تقلل الفوضى وتحقق ضمان العلاقات الاجتماعية. وقد ارتبط، بموجب التوجهات التقليدية لدولة القانون والمؤسسات، بقوة السلطة في فرض القانون. إلا أن التحولات المعاصرة سحبت الحصرية من يد الدولة وافترضت نمطاً من الانتظام النابع عن المجتمع، وغير الخاضع لمبدأ القوة وإنما لمبدأ التشارك والتوازن. لذا، أصبح التمييز واضحاً بين الشرعية أي احترام القرارات للقواعد المنصوص عليها بموجب القوانين الوضعية، والتي ثبت أنها تحقق مصالح فردية على أساس استغلال السلطة في الدول العربية التي شهدت حراكات اجتماعية، والمشروعية بما تعنيه من مدى ملاءمة هذه القرارات “للحقوق الإنسانية”، وما تشمله هذه الحقوق من تطوّر في مضمونها. على خلفية هذه الانعطافات، أعيد طرح التساؤل حول مشروعية النصوص القانونية، وحول مشروعية السلطة التي أصبحت مرتبطة بمدى فاعلية هذه السلطة في خدمة المجتمع.
- توجّهات المنظمات الدولية الحديثة وتحدياتها
أنتجت التحولات النيوليبرالية في العالم أدوات قانونية معاصرة على أثر الدور الفاعل والحقيقي للمنظمات الاقتصادية غير الحكومية، والشركات متعددة الجنسيات على وجه التحديد. وتتميز هذه الأدوات القانونية بخروجها عن سيادة الدولة والمصادر الرسمية وبمرونتها وكونها منبثقة عن قواعد السوق والمنافسة، ليتحول القانون في بيئة الأعمال إلى سلعة كما غيره من السلع، خاضعاً لحرية الاتفاق بين الفرقاء. وقد فقد بذلك الالتزام القانوني قوته الملزمة لمصلحة مبادئ الأخلاقيات، وتحول هاجس الدول إلى إصدار قواعد تسعى لجذب المستثمرين على حساب الضمانات الاجتماعية، بحجة التوجهات العالمية وتوصيات المؤسسات المالية الدولية.11
في مواجهة ذلك، طرحت الأمم المتحدة خططاً جديدة لمواجهة هذا التحول وأثره على حقوق الإنسان، وأصبحت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان مرتبطة ليس فقط بالنصوص المتعلقة حصراً بحقوق الإنسان، كما كان الحال عليه بعد الحرب العالمية الثانية، وإنما أيضاً بحماية البيئة والتنمية المستدامة ومكافحة الفساد. فأعلنت في بداية القرن مشروع العهد الدولي مع كوفي أنان، ثم أطلقت في العام 2014 خطة التنمية المستدامة المعروفة بأجندة 2030 كنهج جديد مبني على ثقافة اجتماعية وقانونية جديدة، مرتكزة على الحوكمة والمشاركة بين الأطراف الثلاثة: الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. فأخذت الديمقراطية أبعاداً جديدة، وأصبحت الحوكمة بمبادئها هي الشكل الحديث للديمقراطية وإدارة المجتمعات.
تسعى هذه الخطة إلى وضع معايير جديدة للديمقراطية قوامها حكم القانون والشفافية والمحاسبة، ومبدأ التشاركية بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل دور المجتمع المدني كشريك أساسي في بناء المرحلة، وفقاً للهدف السابع عشر من أجندة 2030، ليصبح هذا الأخير لاعباً أساسياً في المجتمعات والأنظمة، إضافة إلى اللاعبين السياسيين التقليديين، من خلال تمثيله قضايا وفئات متعددة عرفت بالأطراف المعنية أو الجهات الفاعلة. علماً أن هذه الأطراف أو الجهات أو أصحاب المصالح ليست مرتبطة بالضرورة بقواعد العقد الاجتماعي الذي شكّل ركيزة للدولة الحديثة. فالأسس الحديثة للتوازن والتشاركية أصبحت ركائز للدولة بغية تحقيق الانتظام والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. وبذلك، تغيرت أدوات العدالة الاجتماعية وإمكانية تفعيلها عما كان سائداً في القسم الثاني من القرن الماضي،12 والمتمثل بتدخل الدولة وبدور فاعل للنقابات كجهة ممثلة للطرف المشارك في الإنتاج والمرتبط بعلاقة “تبعية” مع الطرف الاقتصادي الخاص.
إلا أن هذه التحولات، وما فرضته من تغيير في طبيعة الحقوق، خلطت الأوراق بشأن “الحقوق الأساسية”، فعاد النقاش إلى مفهوم “الحقوق الطبيعية”، وأصبحت بعض الحقوق الفردية – بتصنيفها التقليدي – متطابقة مع الاقتصادية، مع تبلور مفهوم المشروع الاقتصادي وشركات الشخص الواحد والمبادرات الفردية وغيرها من أشكال ريادة الأعمال. وأمام هذا الواقع أعيد الصراع بين أصحاب الحقوق على أولوية حقوقهم، وتمايزت أدوار الشركات بين تلك الكبرى والمشاريع الصغيرة.
وانعكس ذلك في طبيعة الحقوق المضمونة ذات الطبيعة الاقتصادية والسياسية، وطبيعة الفئات المحمية وقد شملت البيئة والأجيال القادمة. وأصبحت الحوافز الضامنة مبنية على الأخلاقيات بدلاً من أن يرتكز تفعيلها – كما كان الحال عليه – على سلطة الدولة وسيادتها.13 فاختلفت الصلاحيات وتوزعت الأدوار في ممارسة السلطة وأصبحت القوة الاقتصادية توازي نظرياً القوة القانونية المعطاة لمؤسسات الدولة، وتكاد تكون الأكثر تأثيراً. وكان من الطبيعي أن ينتج عن هذا التحول ضعف أشكال الحماية الاجتماعية التي أصبحت مرتبطة برغبة الشركات الكبرى كشريك جديد في التنمية، ومن ضمن هذه الأشكال الحق بالصحة (كما تبلور مع واقع أزمة كوفيد وحقوق ومصلحة الشركات المصنعة للأدوية والطعم مقابل حق المجتمع بالصحة). وضعف كذلك دور النقابات مع تفكيكها وتفريغ مضمونها والتداخل بين المصالح السياسية والنقابية.
ومن ناحية أخرى، ضعف هامش النظام العام نظراً لارتباطه بدور الدولة.14 وكانت الضحية الأبرز في طبيعتها وهامشها هي العلاقة بين النظام العام الاجتماعي والنظام العام الاقتصادي. وأمام ضعف النظام العام الاجتماعي وضمانات الدولة، أصبحت الحقوق، ذات الطبيعة الجماعية المرتبطة بالفئة العمالية، حقوقاً أقرب إلى الفردية مرتبطة بالعمل اللائق والظروف اللائقة انطلاقاً من مبدأ عدم تجزئة حقوق الإنسان.
وبذلك تحولت القواعد الضامنة للنظام العام الاجتماعي من مبادئ الشرعية المبنية على قوة القوانين إلى مبادئ المشروعية المبنية على احترام الحقوق والتوازن في ما بينها، وعلى قواعد “ليّنة أو مرنة” بغية تفعيل القواعد الصلبة.15 هذه القواعد اللينة، التي تفتقد إلى صفة الإلزامية والمعاقبة على مخالفتها، تتمثل بتوصيات دولية تبقى ضمن إطار “حثّ الدول” على اعتمادها – في النصوص الصادرة عن الأمم المتحدة، أو شروط تفرضها المؤسسات المالية الدولية في علاقاتها الداعمة للدول – غالباً ما تكون غير مراعية لأسس العدالة الاجتماعية في الداخل، أو قواعد اختيارية أو اتفاقية أو أخلاقية، بدلاً من ارتباطها بقاعدة ملزمة يعاقب كل اتفاق على مخالفتها بالبطلان المطلق.
وبذلك، تقلّص نطاق القواعد الضامنة التي كانت تعتبر قواعد إلزامية، وعدنا في النقاش القانوني إلى نقطة الصفر في البحث عن التوازن بين الحقوق الاقتصادية من جهة والحقوق الاجتماعية من جهة ثانية. وأصبح الصراع بين أصحاب الحقوق في ما بينهم بدلاً من مواجهة أصحاب الحقوق هؤلاء للسلطة التي يُفترض أن تكون راعية. ومع تقاطع المصالح بين السياسي والاقتصادي، فقدت الدولة بمؤسساتها دورها الحيادي الضامن، إلا إذا توفر شرط النزاهة في المسؤولين العموميين. وأصبح المواطن والإنسان عموماً ضحية الاختلال في ممارسات السلطة وفي فاعلية دور القانون الوضعي.
ما يفترض الإشارة إليه يتمثل في كون الواقع القانوني في بعض الدول العربية مثل لبنان على وجه التحديد، بخلاف الواقع الفرنسي، يضمن في دستوره الحرية الاقتصادية، ما يشكل معياراً أساسياً يتمسك به السياسيون، بتغييب واضح للنص الدستوري الذي يتحدث عن العدالة الاجتماعية. فارتبطت الحقوق الاقتصادية بتعريف واضح ونصوص مباشرة، وبقيت العدالة الاجتماعية خاضعة لمعايير مرنة وتصنيفات مطاطة تجعل من تحقيقها عرضة للتناقض وتضارب النظريات الاجتماعية والاقتصادية.
- التحولات في طبيعة الحكم ودور القانون فيه والواقع العربي
أمام هذا الواقع، تبنت الأمم المتحدة في خططها مفهوم “حكم القانون” أو “سيادة القانون” في المجتمعات بدلاً من التعبير السابق “دولة القانون”، مع ما يتضمنه الأخير من ثقافة قانون سائدة في المجتمع تنبع من مكوناته وتتمثل في ممارساته، بدءاً من ممارسة مؤسسات الدولة المختلفة وانتهاءً بسلوك المواطن اليومي. يكتنز هذا “التعبير” اختلافاً أساسياً مرتبطاً بالقوانين ودورها وفاعليتها وعناصر تفعيلها، ويتطلب – بالضرورة – مرحلة مسبقة من الانتظام القائم على دولة المؤسسات والقانون، أنتجت ثقافة قانون في المجتمع. ولعل الخطر الأبرز يكمن في الدول التي لم يتطور فيها القانون كعنصر أساسي من الممارسة الديمقراطية. فإذا كانت العلاقة النظرية واضحة في الأنظمة الليبرالية الديمقراطية بين القانون والدولة بمؤسساتها والمجتمع، ففي الأنظمة القمعية يشكل القانون أداة في يد السلطة تستخدمه لتحقيق غاياتها؛ وتصبح الدولة مبنية على الحكم بقوة القانون الذي يمثل مصالح الفئة الحاكمة وسياستها بدلاً من تمثيله لمصالح المواطنين وحاجاتهم. لذلك، نلحظ المناداة باعتماد النظرية الواقعية في القانون بدلاً من النظرية الوضعية، أو الانتقال من مرحلة القانون الوضعي إلى مرحلة القانون الواقعي، بما يشمل في طياته من علاقة متفاعلة ومتناغمة بين الفاعلين الأساسيين في المجتمع والقاعدة القانونية في إنتاجها وتطبيقها وأثرها و/أو جدواها، وبما تمثله من مرونة واعتماد أساسي على السلطة القضائية.
كما وأن حكم القانون هو مفهوم سائد في الدول التي تعتمد نظام القانون العرفي، الأنكلوسكسوني، المبني على الأعراف والاجتهاد: وهي القواعد المتفاعلة مع المجتمع، حيث يلعب القضاء دوراً بارزاً في تكريس القواعد وتطويرها على وقع الحاجة الاجتماعية، وبالتالي يرتكز هذا النظام القانوني على ثقافة القانون في المجتمع المعني بالقاعدة.
وكنتيجة لذلك، نلحظ أن هذه التحولات أثرت بشكل خاص على الأنظمة القانونية التي تعتمد القواعد المكتوبة ومصدرها البرلمان، أو سمو القاعدة المكتوبة الصادرة عن السلطة والتي تتميز بجمودها في مواجهة ضرورات الواقع الاجتماعي والحاجات التنموية، على خلاف القاعدة المنبثقة من المجتمع.
ولمّا كانت الحقبات التاريخية السابقة من تاريخ الدول العربية المعاصرة قد طُبعت بالقانون الوضعي المتأثر بالمدرسة الأوروبية الفرنسية، أو نظام القانون الوضعي المكتوب، باستثناء دولة السودان التي تعتمد القانون الوضعي – العرفي المتأثر بالمدرسة البريطانية، فإن العلاقة بين السلطة والقاعدة والمجتمع تصبح أكثر تعقيداً عند دخول عناصر جديدة على هذه العلاقة.
وفي وقت أصبح للقواعد اللينة دور أبرز في الحياة اليومية للمواطن في الكثير من الدول العربية، بغياب تفعيل القواعد القانونية الصلبة التي يُفترض أن تشكل حجر الزاوية الضامن في المجتمع، فإن الإشكالية الأبرز التي تفرض نفسها في هذا السياق ترتبط بغياب العلاقة بين القانون والمواطن والسلطات في غياب عام للديمقراطية في الحقبة التاريخية الماضية. بل تحول القانون إلى لغة السلطة مقابل الحقوق، التي تعبّر عن مطالب المجتمع، فكان من أثر الحراكات الاجتماعية الكثير من ثقافة الحقوق وغياب ثقافة القانون.
وإذا كانت الديمقراطية بمفهومها المعاصر تتطلب ركيزة ثقافة القانون كي يسود المجتمع بتناغم وتفاعل بين الفئات المتشاركة الاقتصادية والاجتماعية والرسمية، فإن غياب هذه الثقافة سيعيد أو أعاد المجتمع العربي إلى فخ الدولة الأمنية التي طالما سبق وسعى إلى الخروج منها. إلا أن الخطورة تكمن في أن السيف المُصلت على رقاب الناس، لم يعد فقط ممسوكاً من أجهزة الدولة التي تحكم بالقوة والقمع رغم تقديمها الحاجات الأساسية للمواطنين (الحقوق الطبيعية ولا نقول الحقوق الأساسية)، ولكن أيضاً بيد السلطات الاقتصادية و/أو التقنية الخاصة رغم أنها غير معنية بحماية المواطن، وإنما بالانتفاع من قدراته مقابل الخدمة المقدمة له.
لذلك، وفي مواجهة التقييم الفعلي لواقع علاقة المواطن العربي مع القوانين، نتساءل بحذر حول التغير المتعلق بحقيقة النظام القانوني الذي سيسود في دولنا التي تبنت نظرية القانون المكتوب، وهل سيبقى القانون عنصراً شكلياً لحصول الجهات الحاكمة – على اختلاف أشكالها وطبيعتها – على اعتمادات دولية تساهم في زيادة سلطتها؟
الخلاصة
لا شك في أن سلطة الدولة والقاعدة الوضعية لم تفقد دورها بالمطلق، بل ضاق هامش فاعليتها نظراً إلى عناصر متعددة، أبرزها:
- ضعف النظام العام المرتبط أصلاً بالعقد الاجتماعي وهي القواعد التي تربط بين فئات المجتمع وأفراده بحيث تشكل المساحة المشتركة الآمنة التي يرتضي ضمنها كل طرف أن يتنازل عن جزء من نطاق حقّه مقابل تنازل الآخرين عن أجزاء مقابلة، بغية تحقيق الانتظام العام من استقرار وأمن.
- ضعف قدرة القوانين على التدخل في المصالح الاقتصادية بحكم الأمر الواقع.
- المسار الطويل لصدور القواعد الوضعية في وقت تتطلب الظروف ومرونتها وسرعة إيقاعها تدخلات سريعة عملية.
- ظاهرة التضخم التشريعي التي تتطلب تدخلاً متكرراً وتعديلات تشريعية لا يتم تطبيقها بالضرورة، بما أفقد القوانين حيّزاً من هيبتها.
- ضعف تمثيل البرلمانات سواء بسبب عدم الإقدام على الانتخابات أو عدم الثقة بدور هذه المجالس.
- تطورات اجتماعية وتعدد الفئات التي تبحث عن مصالحها بأشكال مختلفة، والتي لا تنتمي بالضرورة إلى التطور التاريخي للدولة الذي أدى إلى نشوء العقد الاجتماعي، الضعيف أصلاً.
- تطرّف الحقوق الاقتصادية الخاصة وتحررها من الضوابط وقدرتها على التأثير رغم صدور القوانين.
- وجود قواعد أكثر فاعلية من القواعد القانونية في المجتمعات العربية، ولا يمكن بحكم الواقع تجاهلها، وهي قواعد مرنة، سواء ذات الطبيعة الاقتصادية والاتفاقية، أو الاجتماعية الفئوية كالدينية والمرتبطة بثقافات الجماعات.
في هذه المرحلة، وأمام كل هذه التحديات، لا بد من التركيز على أربع توصيات أساسية:
- السعي إلى تكريس الضمانات الاجتماعية كجزء من الحقوق الدستورية بشكل صريح، لأن المفاهيم السابقة لم تعد متناغمة مع تحولات العصر، وكي تتحول إلى قواعد ملزمة للأعمال والقرارات الفاعلة في ظل سيادة الدستور.
- تكريس نظام ضريبي عادل يضمن المسؤولية الاجتماعية للشركات وعدم تركها مرتبطة برغبة أصحاب المصالح وحرياتهم الفردية وأخلاقياتهم، خاصة وأن الضرائب تبقى من الصلاحيات التي ما زالت مرتبطة بالدولة.
- تطوير واعتماد إطار قانوني لازم يضمن احترام القطاع الخاص على أشكاله بقواعد المسؤولية الاجتماعية (corporate social responsibility CSR).
- ضرورة وعي الناس على بأهمية دور القانون في المجتمع وعلاقته بضمان حقوقهم وثقافتهم، وكذلك وعي العاملين في قطاع القانون على الثقافة القانونية المستجدة والتحولات المرتبطة بطبيعة القاعدة القانونية الفاعلة، والسعي مع الجسم القضائي لتفعيل المرونة في مقاربة العدالة المرجوة نظراً لتبدّل أدوار الفاعلين المؤثرين بحياة المواطن، والاختلاط الحاصل بين الأنظمة القانونية والاقتراب من طبيعة القانون العرفي. كل ذلك من شأنه تعزيز ثقافة القانون بين فئات المجتمع المختلفة، بدلاً من ثقافة الحقوق وحدها، وبالتالي إرساء مبدأ حكم القانون بما يتضمنه من ممارسات تطبيقية من شأنها تحقيق الرفاه والعدالة الاجتماعيين.
المراجع:
- BATIFFOL Henri, La philosophie du droit, coll. Que sais-je, 7eme éd. Paris: PUF, 1960.
- L’État de droit, Mélanges en l’honneur de Guy BRAIBANT, Dalloz 1996, Paris.
- L’ordre public à la fin du XXe sciècle, Dalloz, Paris, 1996.
- ROUVILLOIS Frédéric, « l’efficacité des normes, Réflexions 1. BATIFFOL Henri, La philosophie du droit, coll. Que sais-je, 7eme éd. Paris: PUF, 1960. sur l’émergence d’un nouvel impératif juridique », fondation pour l’innovation politique, 2006, publié en ligne L’efficacité des normes (fondapol.org).
- SUPIOT Alain, État social et mondialisation : analyse juridique des solidarités, cours au collège de France, (2014-2016).
- SUPIOT Alain, La gouvernance par les nombres, Cours au collège de France (2012-2014), Fayard, Paris, 2015.
- TEISSIER Arnaud, « Le droit souple et l’ordre public supranational ressenti (suggéré) », JCP- S, no 16, 25 Avril 2017, 1130.
- TEYSSIE Bernard, « Qui édicte la norme, gouverne la Cité ».
- الحاج سليمان، عزة. «التحولات في الأنظمة القضائية المعاصرة»، في نساء لبنان في سلك القضاء: تعزيز السائد وإهمال الهوامش، (ع. سليمان و ع. بيضون)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2023، الفصل الاول.
- الحاج سليمان، عزة. «الواقعية في أنظمة العمل». مجلة الحقوق والعلوم السياسية، صادرة عن كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، العدد 21، 1/2019، ص. 151-187.
- شعيب، عبد السلام. تحولات النظام العام الاجتماعي، منشورات صادر الحقوقية، بيروت، 2022.
- عمار، رامز ومكي، نعمت. حقوق الانسان والحريات العامة. ط. 1، 2010، د.ن.، بيروت.
__________________.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.
(*) نقلاً عن مبادرة الإصلاح العربي
https://www.arab-reform.net/ar/publication
/
آخر التعليقات